ولادة أسطورة

د. نبراس المعموري 

 الأسطورة هي حكاية أو قصة تقليدية تعود إلى الزمن القديم، ولكنها لا تكون دائماً قصة حقيقية حصلت على أرض الواقع، لا مُؤلف لها بل هي نتاج خيالٍ جمعيّ، وتشبه الأساطير الحكايات الشعبية من ناحية المحتوى، ففيها أشخاص خارقين، وتفسيرات لظواهر طبيعية مختلفة عن الواقع ، وتهدف معظم الأساطير إلى تقديم درس معيّن تستفيد منه الشعوب.

قد تستغربون ما الذي قادني إلى بدء مقالي بالأسطورة؟ او الحديث عن هذا النوع من الأدب في ظل تزاحم المفردات والاهتمامات والمتغيرات ؛ خاصة ونحن نعيش اجواء مختلفة غلب عليها الرداء السياسي وهو يستجدي خيوطه من نسيج الانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا في عموم العراق.

أسطورة كرة القدم بيليه هو صاحب الفضل في انني أزين مفردات مقالي بذكر سيرته المميزة بعد مشاهدتي لفيلم يسرد قصة حياته وكفاحه ليكون حق وحقيقة أسطورة البرازيل والعالم بأسره.

تناول الفيلم احداث كثيرة عكست علاقة الابن بوالديه والبيئة المحيطة التي اتصفت بالفقر والتمييز والمعاناة بسبب اللون والعرق في منتصف القرن الماضي  والطبقية التي رافقت قتل الموهبة بأية طريقة ، يرافق ذلك الإصرار الذاتي والدعم العائلي الذي جعل من بيليه لاحقا أسطورة كرة القدم او حسب تصريح الرئيس البرازيلي بعد حصول بلده على كأس العالم عام 1958 بانه ثروة وطنية .

ما عكسه الفيلم من احداث اكد على مدى تأثير كرة القدم في توحيد المجتمعات وتعزيز الانتماء والتكاتف لإعلاء شأن البلد ،خاصة البلدان التي عانت من الحيف والظلم بسبب صراع القوى والهيمنة وتقسيم الشعوب والمجتمعات على اساس ذلك .

بيليه انموذج لصراع الذات مع الواقع المرير وصراع الطموح مع حجم التحديات والمعوقات ، لكن في النهاية انتصرت الذات الواثقة من نفسها وانتصر الطموح النبيل ، ليعيد لذلك البلد رونق تميزه بكرة القدم .

 شاهدت الفيلم وانا استذكر تاريخنا الرياضي بكرة القدم ! استذكرت من فقدناهم نتيجة الإهمال كما حصل مع الراحل احمد راضي وغيره .. استذكرت حجم انجازاتهم وهم يرسمون البسمة والفرح على وجوه العراقيين وهم يخترقون شباك مرمى الفرق الاخرى عربيا ودوليا ويحققون الفوز  دون ان يكون هناك اهتمام حقيقي ومهني روادا وشبابا .. استذكرت درس خليجي 25 في البصرة وهل سنطور من الدرس بما يخدم بلدنا ؟ ام ستظل السياسة بطعمها المر والحار والحامض فيصل القدور المتهالكة ؟

بيليه صار أسطورة لان الطموح والمحيط أراد له ذلك .. فكيف تستطيع أساطير  بلاد الرافدين بارضها وشعبها وتاريخها ان تعيد سرد قصصها من جديد ونحن نزهو بالفرح والشموخ والنجاح ؟ سؤال ينتظر اجابة من  الذين فازوا بالانتخابات بعد ان رفعوا شعارات و وعود  التغيير  والبناء .

د. نبراس المعموري

رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات 

عضو مجلس ادارة الجمعية العراقية للعلوم السياسية

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!