همساتهم هو وهي

سمير النشمي

ـ يا من يزرع الحب في العقول والنفوس ـ 

هو/ كتبتُ إليكِ مراراً ، فلم أسمع أو أقرأ رداً ، ولا أعلمُ ما جنايتي ، فهل ينبغي معاملة المحب بكلِّ  هذا الإزدراء ، وروح اللإمبالاة ، بينما بنتُ حواء دائماً تتعالى فوق الجراح ، وتصغي لمن يهوى القرب منها ..!

هي/ لمْ يصلني منك شيئاً ، ولم أقرأُ أو أسمعُ لك كلاماً يخصني ، وما دمت أنت الآن قريباً مني وقد  فاتحتني بما في قلبك ، إذن أسمعني ما كنت تريد إيصاله لي من جديد ، فها أنا مصغية إليك ،

     تفضل وأبدأ وحدّث بما في نفسك ..؟

هو/ ما قلته في تلك الرسالة ، يا مَن يزرع الحب في القلوب والعقول ، ثم يسقيه بماء الغرام ، يا مَن تهفو نفسه لكلِّ جميل ، أرمِ عن كاهلِك بذور الخصام ، ولا تزرعي الشوك في طريق  المغرمين ، فطريق الشوك نهايته إنتقام ..؟!

هي/ لو كانت رسالتك هذه قد وصلتني كما تقول ، لكان جوابي لك هكذا:- يا أيها الصبّ أصبر  على طول العذاب ، فماء حياة المحبين لا يأتي إلّا بالشجون والعذاب ، هو عذابٌ وألمٌ وصدٌ 

    وجفاءٌ ، فلا راحة مع الحب الرابض في القلوب ، فهي دائماً متعبةً ..! 

هو/ سأرفع كفّي نحو السماء داعياً ربّ العباد وبكل محبة قائلاً:- يا واهب الوداد ، يا مهدي الأحبة 

  لدروب الرشاد ،هي دروب السالكين لطريق المحبين ، أرحم يا واهب الوداد مَن لا يملك في دنياه   غير قلب كسير ، أصناه العذاب فجعله رهيفاً نظيفاً ..!

هي/ دعاؤك مؤثر يا أيها الصب الذبيح ، ولكنني أسأل هل يعلم الأحبة ، أنهم يحجون كل يوم ألف

     حِجّة ، فحين تحومون حول ديار الأحبة ، تدورون أشوطاً تتلوها أشواط وأشواط ، وكل مناكم

     أنْ تسرقوا ولو نظرة سريعة ، حتى لو كانت هذه النظرة بائسة ، ولكنكم قانعون دائما بالقليل ،  تريدون بها أنْ تبلوا قلوبكم مِن عطش سنين مِن الحنين حتى أوشك أنْ يصيبه الجفاف ..!

هو/ أرفق بي يا واهب الوداد ، فلهيب الهوى ما يزال رابضاً في الحشا ، بل في كل الحنايا ، خفف 

    الكرب عن نفوسنا المضناة بالهجر والصدد ، وصُنْ كرامة كلِّ قلبٍ متيّمٍ أضناه الشوق والعشق 

    والغرام والهيام ، هم وحقُّ السماء أصدقُ مِن غيرهم ، وفي الصبابة هم مسك الختام ..!

هي/ لا بأس عليكم يا أصحاب القلوب المضناة ، فأنتم كلما أمسيتم ، إتشحت وجوهكم بالوجوم           والعبوس والكآبة ، فجفونكم متهدلة متراخية متعبة ، وأبصاركم خاشعة منكسرة ، تعيشون في 

     أحلام صعبة النوال ، ولكنكم مع ذلك مثابرون لا تيأسون ، بل تأملون أرواحكم المبتلاة بلقاء 

     قريب ، وربما يكون عجيباً مع مَن تحبون ، هكذا أنتم تتخيلون ..!

هو/ كأنكِ معنا ، فهل أنتِ واحدة منّا ، وهل يُصيبكِ ما يُصيبنا ، ردّي عليّ بالله عليكِ وأجيبيني عن

    أسألتي ..؟

هي/ دعني أولاً أكمل لك حديثي ولا تقاطعني ، فأنتم عندما يُصيبكم الإحباط ، ويتملككم اليأس ،           تسرحون مع خيالاتِ أفكاركم ، لتستلهموا منها صور أحبتكم ، لأنكم بها ومعها قد تطفئكم عصا      مِن نيران الشوق الملتهبة في أحشائكم ..! 

هو/ أتفق معكِ فيما قلتيه ، فحالما تصل صورة الحبيب إلى سطح ذاكرة الخيال ، حتى تبادر الجفون 

    لإحتضان تلك الملامح ، بل والإنطباق عليها لكي لا تفلت مِن بين رموشها ، هي صورة ملائكية 

    كأنها صورةٌ لحورية هابطة من تلك الجنان ..!

هي/ ها أنت تجيدُ الوصف والتشبيه ، وتعرف اللغة التي تناجي بها بنات حواء ..؟

هو/ أنْ عرفتُ كل ذلك فالفضل فيه يعود إليكنَّ يا بنات حواء ، فلولا جفائكنَّ وهجرانكنّ لنا ، لما 

    إكتشفنا ما نمرُّ به مِن هذا العناء الذي يصل إلى حدِّ قطع النفس ، ولكنني مع ذلك أقول لكِ:-

    هل تعلمين بذلك أيتها الراسخ حبّها في أعماق كياني ووجودي ..؟

هي/ يبدو لي مما سمعته منك الآن ، أنّ تلك الملاح كانت تخطف بنورها الوهاج ضوء العين فتجعل

  مِن الهواجس والقلق رحيقاً عسلي المذاق ، فيبقى أثره عالقاً وطعمه باقياً دون أنْ تنساه الذاكرة    مهما مرّت الأيام وتباعدت السنين ..!

هو/ أجل هو حقٌّ ، ولو تسألينني عن هو المحبوب وهيامه مِن أين يأتي ، لأجبتك قائلاً:- ما كلُّ حبٌ      للحبيب يولد من نظرة عابرة ، بل قد يأتي من السماع ، مَن يدري هكذا هي الأقدار ، ألم تسمعي     قول الشاعر بشّار بن برد وهو يقولك- 

يا قومُ أذني لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ ** والأذنُ تعشَقُ قبل العين أحيانا 

هي/ أجل أنا معك فيما تقول ، فالأذن تعشق قبل العين ، خاصة إذا كانت أصوات المعشوقين رقيقة        ندية ، صافية عذبة ، فهي تفعل فعل السحر في آذان مَن يسمعها ، فكيف هو الحال بالذائبين         بهوى مَن يحبونهم ..! 

هو/ هي ستخترق كل الحجب والحواجز وتستقر في سويداء القلب ، ومن هنا تبدأ رحلة المعاناة          والشوق المستديم ، فليرحمكم الله أيها المحبون ، فالرحمة واجبة لكم في كل حين ..!

شاهد أيضاً

٤٥ ألف كتاب مجاني بأكبر مهرجان للقراءة في العراق

انطلاق الموسم ١١ لمهرجان “أنا عراقي أنا أقرأ” بحضور أكثر من ٣ آلاف شخص شهدت …

error: Content is protected !!