مجالس المحافظات الإشكالية والحلول

د. نبراس المعموري

أقر الدستور العراقي النافذ لعام 2005 الحكم اللامركزي من خلال مجالس المحافظات والتي تتولى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، و صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطط المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة من الحكومة المركزية.

لقد تعرضت مجالس المحافظات لاحقا الى انتقادات جمة بسبب البيروقراطية والمحاصصة و الصراعات السياسية مما ادى الى ان تكون حلقة زائدة تثقل كاهل الدولة وتشرعن لابواب فساد عديدة، وتعرقل إقامة المشاريع العمرانية ، اضافة الى الهيكلية القانونية والادارية المربكة بسبب التناقض الشديد و الخلط بين مفهوم اللامركزية السياسية و مفهوم اللامركزية الإدارية .

وعلى اثر التظاهرات الشعبية التي شهدها العراق في اكتوبر عام 2019، صوّت مجلس النواب العراقي لصالح تعديل قانوني ينهي عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم ومجالس الأقضية والنواحي الحالية التابعة لها، كما اصدرت المحكمة الاتحادية عام 2021 بعدم شرعية استمرار عمل مجالس المحافظات نتيجة انتهاء دورتها الانتخابية التي شهدتها البلاد عام 2013.

الا ان بعد انقضاء عامين على قرار المحكمة الاتحادية عاد العمل والمطالبة بانتخابات مجالس المحافظات الى الواجهة من جديد تحت عنوان الاستحقاق الانتخابي ، مما ادى الى ان يصادق البرلمان العراقي في مارس الماضي على تعديلٍ قانون الانتخابات بشقيه الوطني والمحلي وتحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات في كانون الأول/ديسمبر المقبل ، والذي ترتب عليه ان تبدأ القوى السياسية العراقية بمختلف مكوناتها وتسمياتها الاستعداد لعقد تحالفات والتحشيد الجماهيري للانتخابات المقبلة باعتبارها بوابة رئيسية للانتخابات النيابية فقد اعلنت مفوضية الانتخابات أن لديها 280 حزبا و 45 تحالفا سياسيا مسجلا وأن عدد الناخبين في 15 محافظة عراقية أكثر من 23 مليون ناخب مسجلين لدى المفوضية الا ان ما سجل لغاية الان لم يزد عن مليون ناخب قام بتحديث بياناته والحصول على البطاقة الانتخابية .

وامام التركة الثقيلة التي ترتبت عن عمل مجالس المحافظات فان العزوف عن المشاركة في الانتخابات المحلية امر وارد ، و هذا ما دعا بعض الاحزاب والقوى المدنية إلى المطالبة بتأجيل الانتخابات المحلية ، اضافة الى غياب “التنافس الحقيقي” ما بين الأحزاب الجديدة والتقليدية بسبب المال السياسي وضغط الأحزاب الكبيرة والنافذة على الأحزاب المدنية .

وبعد كل ما اشرنا اليه من معوقات ادارية وقانونية اضافة الى انعدام ثقة المواطن وقناعته بمجالس المحافظات بسبب تراكمات الدورات المتعاقبة لابد من ايجاد حلول جذرية على الرغم من قناعتي باهمية الغاء مجالس المحافظات لانها حلقة زائدة الا ان ذلك يتطلب تعديلا دستوريا والمتخصص في مجال القانون الدستوري يدرك جيدا مدى صعوبة تعديل الدستور حاليا في ظل الاحتدام السياسي وعدم وجود رؤية وطنية موحدة .

وعليه في مقدمة الحلول هي صلاحية تعيين المحافظين، وفق تشريع يفصل عمل السلطة التنفيذية عن التشريعية في الحكم اللامركزي، ونعني بذلك أن يكون انتخاب المحافظ ونائبيه عن طريق الاقتراع المباشر، دون الحاجة إلى التصويت داخل مجالس المحافظات، لاسيما ان التجربة الماضية شهدت ممارسة بعض المجالس اجندة ضغط على المحافظ او الدوائر لتمرير رؤى بعيدة عن السياقات الصحيحة وخلقت اشكاليات كبيرة إضافة إلى ضرورة تقليص عدد أعضاء المجلس بالشكل الذي ينسجم مع توزيع المهام والقيام بالواجبات وحجم وحاجة المحافظة واهمية تعزيز الدور الرقابي لمكافحة الفساد المالي والاداري .

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!