الكلمات والصور

د. نبراس المعموري

ايهما اكثر صدقاً الكلمات ام الصور ؟
سيناريو جميل لاحداث فيلم امريكي جذبني ، فيه جديدٌ لم اعهده! وهو كيف افسر العلاقة بين الكلمات والصور ، وكيف يمكنني ان استقبل رسائل كل منهما بمعادلة اجدها حاضرة كلما اقتنيت لوحة او صورة جديدة!
سلطة الكلمات وسلطة الصور أمست واضحة وهي تخترق هذه العلاقة.. فأيهما اكثر فائدة ومتعة من الاخرى الصورة أم الكلمة؟ وهل تقوى الواحدة بضعف الأخرى، أم تنمو سلطتهما في حالة من التعاون والشراكة ؟

لقد تربعت الكلمات بين صفحات الكتب ضمن عرش متوج بالمكتبات وكانت هي بارقة التغيير والنهضة والمتعة لزمن طويل، وأستطاعت ان تحدث في المجتمعات تأثيرات جمة، فأولي الألباب في العصور السابقة هم أولاء يفقهون ألمع الكتب، والمشبعين بروائع المجلدات والأسفار، ولم تكن الكتب المتوجة بالكلمات منبع الفائدة فقط ، فقد اكتسبت حلاوة جذبت المهج الذواقة من كل مكان، واصبحت أهم مصادر تشكيل الوعي لدى المجتمع . لكن هل بقيت الكتب وما تحتويه من كلمات متربعة على ذلك العرش الثقافي والمجتمعي؟
ان التغييرات السريعة التي شهدتها مجتمعاتنا جعلت المرء يفتش عن المعلومة بأسرع الطرق، حتى ان مفهوم (القراءة السريعة) امسى عنوان اغلب من يقتنون الكتب فظل يقرأ في سطحية المعاني ما أتى بالضر على حسه النقدي، وصار يحاول أن يراكم الكم الهائل من المعلومات في وقت وجيز، ولا يتوقف عند معنى من معاني المكتوب بعمق إلا إذا استوقفته صورة مرفقة ليتمعن فيها اكثر من تمعنه بما خلف السطور.

كل هذا طور من تأثير الصورة على حساب الكلمة، وللاسف معركة السلطتان تحولت اكثر شراسة وهي تدخل عالمها الرقمي السريع ، لتتحول تدريجيا للعبة هيمنة الصورة على الكلمة داخل صفحات الكتب او مرفقات المنشورات ، وافسدت من حجم الفائدة المتحققة لانها ذابت وسط فوضى السرعة ، على الرغم من ان الصبر والتمعن مفتاح تلك الفائدة، و أن للجلوس معنى فريد ! .

فكيف للصورة ان تنتصر على الكلمة ؟
للأسف .. نعم انتصرت الصورة عندما هجرنا القراءة والتمعن في معاني الكلمات والاستفادة منها ، و كيف يمكننا ان نحول افكار والوان الصور الى كلمات، فغالبا ما نقول ( تلك اللوحة او الصورة تنطق) لكن هل حاولنا تفكيك تلك الشفرات الى كلمات ؟ ام ان حبر (كيبورد الحاسبة) من خلال الضغط على ازراره ،الذي هو اليوم القلم الاقوى والاسرع بين انواع الاقلام ، عجز ان يكون مفككا لتلك الشفرات ؟.
في النهاية اعود و استفهم من جديد ايهما الاصدق الكلمات ام الصور ؟ اعتقد ان الصدق مرهون بصدق عملنا ونوايانا وقدرتنا على تحليل الكلمات وتفكيك شفرات الصور بما لا يبخس حق الاثنين، لانهما لا يفترقان لحاجة عصرنا الى هذا النوع من التعاون والتلاحم ..
لذلك احبوا الكلمات وتمعنوا فيها و وفروا وقتا كافيا لها ؛ كما احببتم الصور و منحتوها الوقت الاكبر ، لانهما في النهاية ابجدية الحياة الحقيقية لا يفترقان مثل عاشق ومعشوق! واذا افترقا ينتهيان .. فلا الصورة تعيش من دون الكلمة ولا الكلمة تستطيع ان تعيش من دون الصورة .

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!