د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
عادت أرض الفيحاء ليلتئم فيها شمل مجلس التعاون لدول الخليج العربي جماهيرياً واحتضان من طال انتظاره من الأشقاء في اليمن والسعودية وعمان والبحرين والكويت وقطر والإمارات، لاستضافة العراق انطلاق فعاليات بطولة كأس الخليج العربي 2023 بنسختها الخامسة والعشرون وللمرة الثانية في تأريخه وفوز ملف محافظة البصرة بهذه الحقوق، بعد مضي ثلاث واربعين عام على النسخة الأولى في العاصمة بغداد، وثلاثة أعوام على بطولة الصداقة الدولية الثانية التي ضمت منتخبات المضيّف وسورية والأردن، بعد رفع الحضر الجزئي الذي فرضه الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك عن الملاعب العراقية ومن ضمنها ملاعب المدينة الرياضية، فضلاً عن التأكيد على نجاح الحدث في ملعب جذع النخلة وملعب الميناء على المستويات الإدارية والتنظيمية واللوجستية.
وقد تمتد مؤثرات صناعة الحدث لهذه البطولة الرياضية الدولية سواء الإقليمية منها أم القارية التعريف بالدولة المنظمة بواسطة عمل إعلامي وثقافي مقنن يعكس حضارتها وتأريخها وتراثها وثقافتها ضمن ممارسة العلاقات العامة الدولية في عالم التطورات التكنولوجية والرقمية المتسارعة،لتضم مجالات استثمارية واقتصادية وسياحية وتجارية واجتماعية غير تقليدية في اطار الدبلوماسية الرياضية الشعبية، منها أشكال الترفيه وانفعال الجمهور العاطفي المراقب لأداء أزهار المستطيل الأخضر والمترقب نتائج المبارياتعلى عكس الحفلات الموسيقية فالأحداث الرياضية تختلف عن الاحتفالات الموسيقية والفنية، بوصفها أنشطة تحدث على مدد متباعدة شبه منتظمة مع وجود نقطة واضحة ومحددة للبدء والانتهاء ومواعيد وجداول زمنية ثابتة، وكذلك تواجد أكثر من منظمة تتميز إحداهم على الأخرى بواسطة الإدارة الفعالة والتخطيط السليم.
إذ يشير فيليب كوتلر الكاتب الأمريكي في كتابه الموسوم بـ(تسويق الأمم) إلى التقارب بين السياسات الاقتصادية للدول وتعامل الشركات والمؤسسات والمستهلكين في هذه الدول، كنوع من الإدارة والتسويق عبر التفكير الستراتيجي لتحقيق الرخاء ونماء الثروة الوطنية، باستعمال القوى الناعمة أحياناً والقوى المادية في أحيان أخرى، والأمر الذي يرجع لتنافس الدول مع بعضها لجذب الشراكات الاستثمارية أو تكون واحدة من المقاصد السياحية العالمية البارزة.
وان استثمارات دولة قطر في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 الجماهيرية استطاعت تسويق سمعة الدولة عبر الفضاء الرياضي والاقتصادي، من طريق إبراز دور المرأة وتنمية سياسة الصحة العامة في المجتمع، فضلاً عن رعاية المنافسات والأندية الرياضية المحلية والدولية، إيماناً منها بأن الاستثمارات الرياضية تلبي حاجات عقلانية بعيدة المدى ومنها التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل، ومنعطف أساس لبناء الصورة الذهنية التي تتبناها كواحدة من ستراتيجيات سياستها الخارجية للتعريف بها ولتعزيز مكانتها في المحافل الدولية.
وفي هذا المجال لابد من استثمار الحدث العراقي وتسويقه مرئياً ومسموعاً ورقميّاً للتأثير في الجمهور على المستوى الرسمي وغير الرسمي، ولا سيما في نطاق ممارسة العلاقات العامة الدولية الواسع المعتمد على ثقافات متنوعة وجهود منضبطة ومهارات تعامل أكثر اتساعاً وعمقاً وفهماً لثقافات الجمهور وتحقيق جهود الدولة لبلوغ أهدافها المنشودة.