د. محـمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
من المرجح أن تحدث التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة حيث يتم توفير المساحة والفرصة والقدرة على النجاح لكل مواطن، لكن خطاب الكراهية ينقسم ويخلق مناخاً تقل فيه احتمالية التنمية الشاملة، ولهذا النوع من الخطاب تأثير ضار على الحوار السياسي واتخاذ القرار، مما يحد من قدرة أولئك الذين ينتمون على وجه الخصوص من الفئات المهمشة على المشاركة في صنع القرار وحرمانهم من حقوقهم.
فتحقيق التوازن بين الحد من الآثار الضارة لخطاب الكراهية وحق الإنسان الأساسي في حرية التعبير تمت مناقشة هذا التوازن وإدارته منذ الأيام الأولى للأمم المتحدة، ويتضح من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية بهدف تحقيق التوازن بين الحق في حرية التعبير وتنظيمه أو انتهاكه في المادة (19)، وقد حددت الاتفاقيات الأخرى معايير النقاش بما في ذلك المادة (20/ 2) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز، وفي الآونة الأخيرة بدأ مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تطوير استجابات لتأثير خطاب الكراهية على التنمية.
التشريع وخطاب الكراهية
بالنظر إلى تقاطع النقاش السياسي وخطاب الكراهية ينبثق دور البرلمانات المهم والحاسم بشكل خاص في معالجة انتشاره، بواسطة تحديد التشريعات والأطر التنظيمية من اجل تسهيل المناقشات القائمة على الأدلة، ويتوجب أن تأخذ السلطة التشريعية مكانها في ارتكاز المقدمة ومكافحة خطاب الكراهية.
على وجه الخصوص كانت هناك أمثلة في السنوات الأخيرة من البرلمانات التي طورت دوراً إيجابياً في مكافحة خطاب الكراهية بمبادرات لمشاركة المواطنين وفرص جديدة كافحت إدارة التأثير السلبي في الترويج له، وتتنوع الأدوار المحتملة التي يمكن أن تلعبها البرلمانات بشكل أفضل للحد من المخاطر التي يسببها هذا الخطاب وهناك حاجة إلى مراجعة هذه الأدوار وتحديدهالتقدير العمل.
ولابد من تعزيز إجراءات محددة وخطوات جادة لمكافحة خطاب الكراهية وتأثيره السلبي على الحوار السياسي، من طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأعوام الثمانية المقبلة وجدولة أعمالها بمشاريع بناء السلام، ووضع قاعدة معرفية حول العلاقة بين أدوار البرلمانات ومسؤولياتها في معالجة هذه اللغة السامة والتقليل منها.
ان تأثير الكلام الذي يحرّض على الكراهية في الخطاب السياسي والاجتماعي وصنع السياسات، يأتي من طريق تعبئة الرأي العام والتأثير في الاتجاهات لأفراد المجتمعوتعديل عقليتهم ويكون التحدي الإنمائي الأكثر ارتباطاً بتطوير برامج الوعي الجمعي النابذة لهذا الخطابالكراهية، إذ يؤثر في النساء والأقليات مما يتطلب تشجيع المرأة على المساهمة في خلق بيئة آمنة للعيش ترسم مساراً تنموياً وزيادة البحث في نظريات وسائل الاتصال.
الإعــلام ونبذ التطرّف العنيف
أن انتشار وسائل الاتصال بشكل واسع اصبح طريقة لممارسة كل أشكال التمييز الذي عادة ما يستثمره الفاعل السياسي بالدرجة الأولى، سواء أكان ذلك متعلق بصحافة المواطن أم التدوين القصير من داخل مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يؤدي ذلك دوراً أساسياً في انتشار خطاب الكراهية بمختلف أنماط العنف المادي والرمزي أو الخطابي اللفظي، لذلك يجب ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش السلمي ونبذ الخلافات والقبول بالرأي الآخرومنع الإبادة الجماعية بمختلف اشكالها، الأمر الذي يصبح معه التسامح مبدأ مجتمعي يساعد على تطوير المفاهيم والأفكار بتقبل الآخرين ونبذ العنف.
ويجب ان تكون الوسائل الإعلامية توعوية وتنبه إلى شكل الخطاب الذي يحتوي على الأفكار العدوانية، وان يلتزم بالقواعد المهنية التي تضمن احترام الكرامة الإنسانية وتشجعها وغلق الباب أمام أي خطاب تحريضي، إذ مع التأكيد على أن يكون الصحفي محترماً لمهنته وان يبتعد عن الافتراءات والاتهامات وتزييف الوثائق والكذب وتحريف الوقائع لكونها أخطاء مهنية خطيرة، فضلاً عن المهام التي تتفق مع أخلاقيات المهنية وتتناغم معها كما يفرض عليه تبني حرية نشر الأخبار بأمانة.