د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
ليس إعلاماً مستحدثاً بل هو موازٍ لما هو رسمي كوسيلة خالية من القيود والضوابط التي تضعها السياسات أو الاجندة الإعلامية التقليدية، بعيدة عن تدخلات هياكل التحرير وعلاقاتهم مع قوى المجتمع، لقد اصبحت هذه الوسائل الجديدة تهدد سلطة الوسائل التقليدية وهيمنتها على الأنباء، بل اصبحت سلطة خامسة تراقبها، وتقدم الخطاب المضاد.. وانها صورة للجهود الإعلامية الذاتية في الكتابة والنشر في وسائل مصغرة ولكنها اكثر انتشاراً واتاحتاً بين الجمهور.
وتذكر الباحثة فالنتين مقدام في كتاب (العولمة والحركات الاجتماعية) ان لورين لانجمان lauren langmanودوجلاس موريس douglas morris بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصال تسمح بـ(التخادم interworking) أو الاتصالات بالشبكات والحركات المنوعة من أجل التغيير الاجتماعي، ومقابل ذلك ستيفان والجريف stefaan walgrave وزملاؤه يرون الأساليب التي تعمل على تقليل تكاليف التشبيك وتوسيع مدى الشبكات وتنوعها وزيادة مستويات المشاركة وحجمها وهذا يسمح لممارسوا الإعلام الرقمي لتجميع مشاركاتهم المتعددة ذات القضايا المختلفة.
وان فئة الشباب على وجه الخصوص يعتمدون على الهواتف المحمولة والرسائل الفورية وغيرها من التكنولوجيات الجديدة، ليس فقط من أجل المعلومات والترفيه بل من اجل أغراض التعبئة بوصف الإعلام الجديد والحراك الاجتماعييعمل على وفق التشبيك الاجتماعي الجديد لاغراض التعبئة السياسية والمشاركة في المجال العام، وتكنولوجيات تعبئة جديدة ساعدت على خلق “مجتمعات افتراضية” من اجل العمل الجماعي الذي تصوغه هوية جماعية.
الإعــلام البديل
يعد الإعلام البديل في الألفية الجديدة النافذة التي تطل منها الغالبية العظمى من الأفراد, والأقليات، والشعوب المحرومة من التمثيل والتعبير عن رأيها وتطلعاتها نحو الحرية في وسائل الإعلام، وهو معني في ايجاد وسائل وأساليب وسياسات اتصالية بديلة عن الإعلام السائد، لكونه اصبح جزءً مهماً من الحياة اليومية لهذه الغالبية.
أولجا جوديس بيلي، وبارت كاميرتس، ونيكوكاربنتيير،يشيرون في كتاب (فهم الإعلام البديل) إلى جملة من تطبيقات النشر الإلكتروني والاتصال الرقمي، فضلاً عن التطبيقات اللاسلكية والاتصال عبر الأقمار الاصطناعية في سياق التزاوج بين تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، إذ يتم من طريقها تشغيل الصوت والفيديو واجراء الاتصال الهاتفي وارسال رسائل البريد الالكتروني, وهناك العديد من المعاني المتعارف عليها لتفسير الإعلام البديل وفهمه، منها ان يكون في مقابل الإعلام المسيطر حيث يعد مكوناً اساسياً في ترسيخ مفهوم المواطنة وقيم المجتمع المدني ووسيلة مهمة للوجود والتمثيل بالنسبة للمجتمعات المحلية والاقليات في تحديها لهيمنة وسطوة الرقابة الشديدة المفروضة عليها من النظم الشمولية.
وهناك مساران لإستقراء الإعلام البديل وهما (الجوهري)التي ترى الهويات على انها مستقلة ومستقرة وذات جوهر حقيقي، وهذا بدوره يعطي هوية مستقلة لوسائل الإعلام المجتمعية، للعمل في خدمة المجتمع المدني إذ تتم المشاركة الفعالة من جمهوره في النقاشات العالم لحل القضايا والمشكلات بوساطة الحوار، وثم مرحلة جيل الحقوق المدنية وفي مرحلة أخرى وصف المجتمع قائماً على التفاعل، وفي مرحلة ثالثة توسيع الانتخابات البرلمانية وشموليتها.
أما المسار الآخر (العلاقاتي) الذي يرى ان الهويات تعتمد على بعضها البعض بشكل متبادل، على وفق الصوت المعبر عن المجموعات المختلفة سواء أكانوا مجموعات عرقية أم اجتماعية أم ثقافية غير ممثليين بدرجة كافية في وسائل الإعلام السائد، وكذلك الإعلام الجذموري بوصفه مفترق طرق يلتقي عنده الجمهور مختلف التوجهات لتعميق مفهوم الديمقراطية والمدنية، ويتطلب مرونة واحتمالية المؤسسات الإعلامية, ويجعل من الصعب التحكم في وسائل الإعلام البديل وتحجيمها ويضمن ذلك استقلالها.
ومن أبرز أشكاله الصحافة الإلكترونية، والمجلات والمنشورات والملصقات، والمدونات ورسائل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج السخرية السياسية والنكت الشعبية، وكتابات الجدران والاشاعات، والرسائل القصيرة والبريد الالكتروني والمنتديات ومجموعات وفرق الدردشة التفاعلية ذات الوسائط المتعددة، فضلاً عن وسائطه التي تشمل على بوابات الأخبار، والاذاعات المحلية والقنوات التلفزيونية الفضائيات الخاصة، والمواقع الإعلامية الشخصية, والمراصد الإعلامية.
وان عرض محتوى المادة الإعلامية يستلزم أسلوباً معيناً لتقديم الموضوع إلى الجمهور المتلقين يعمل أساساً للتأثير والاقناع، من طريق نوعيات المحتوى والأسلوب الإعلاميين تتضح أهمية ذلك، ولذا فإن التأثير يكون كبيراً والاقناع يكون مؤكداً، لو ان المادة الإعلامية تضمنت معلومات تتفق مع الرأي المعارض أو رأي الأقلية، فإن مؤيديها أو المقتنعين بفحواها سوف ينعدمون، أو يقل عددهم، فالجمهور يعتنق بعض الآراء لأنها تؤمن ببساطة بأن تلك الآراء تتفق مع رأي الأغلبية أو الرأي السائد.
نقطة ضوء
أسهمت تطبيقات الإعلام الجديد في تعزيز السلوك الاحتجاجي في العراق، من طريق التشبيك الاجتماعي والتعبئة السياسية والمشاركة في الفضاء العام، وخلق مجتمعات افتراضية بهدف العمل الذي تصوغه هوية جماعية، فالسلوك الاحتجاجي أتسم بصلتين أحدهما النشوئية والأخرى الوظيفية، التي تتصل بمحركات التعبئة والتنظيم وبأنماط الهوية والخطاب التي رافقته وسلوك الفاعلين، وكذلك الانتقال التدريجي من سياسات الهوية إلى سياسات القضايا، فضلاً عن الفعل الإرادي الحر وعدم السعي للوصول إلى السلطة هو عامل ضغط وتأثير في صناعة القرار، من طريق تجميع المصالح والمطالب الاجتماعية لايصالها إلى النظام السياسي، وهنا يمكن ان يبرز صراع بين وسائل الإعلام البديلة وصوت الدولة في الفضاء المفتوح.
ومن مهام الإعلام السعي نحو منعطف إنساني جاد نستشرق عبره المستقبل على وفق استراتيجيات منهجية واعية، بعيداً عن تزييف الوعي والعقول.