تحقيق اجراه / فراس الحمداني / كركوك
عندما تنتشر اشعة الشمس المضيئة وتنير فجر يوم الجمعة يسعى الكادحون الى ارزاقهم في حين يختار البعض ان يكون يومهم هذا للاستراحة والعبادة .. ومن بين من ينسابون الى سوق الجمعة المتاخم لقلعة كركوك اطفال صغار تتعرف عليهم بسهولة من لوان شبه موحد وهو ( اللون الازرق ) الذي يميزهم من بعيد وهذا اللون ليس في ملابسهم بل في ما يحملونه بأيديهم ويتفننون به .. سألتهم عن قصتهم .. ؟
فأجابوني :
يقول علي حسين وهو طفل تجاوز العاشرة من عمره : نحن من عائلة نازحة نعيش في كركوك في مكان بعيد جدا عن السوق وليس لنا اي مصدر معيشي سوا عملنا الذي نأتي اليه مشيا” قاطعين كل هذه المسافة .. انا واخي الاصغر نبيع ( علاليك النايلون ) وفي يوم الجمعة نأتي باكرا مع الفجر لنستعد ونأخذ حصتنا من المعمل وننطلق بها ونسعى في يوم الجمعة لعلنا نحصل ببركته على ما يسد رمق عائلتنا فوالدي مصاب بمرض عضال ارقده بالفراش ووالدتي لا حول لها ولا قوة واكبرنا اخواتنا اللواتي لم يحصلن على فرص التعليم الكافي ولا على اي وظيفة تضمن حفاضهن على انفسهن..
واستدرك علي ” نحن لا نرضى ان تكون اخواتنا الكبيرات في عمل يتعرضن خلاله للحرشة ولذلك انا واخي نعمل من شروق الشمس حتى مغيبها .
هنا .. اقترب مني طفل اخر بعمر اصغر .. وقال : انا لست نازح لكنني يتيم الاب .. انا كاروان اسكن في قضاء دبس كركوك .. نأتي انا واصدقائي الى هنا عن طريق سيارات الخط بين القضاء والمحافظة لاحصل رزقي بدفع ( العربانة ) التي استأجرها لاعمل على نقل ( مسواك ) الناس فيها ومايشترونه فيعطوني ما يقسمه الله لي بين 500 الى 1000 دينار عن كل نقلة .
واضاف ” انا أستأجر العربة بثلاثة الاف دينار واسترزق منها واحيانا ابيع ( العلاليك ) ايضا لاني احتاج بالاضافة الى ما اخذه لعائلتي احتاج لتأمين اجرة نقلي من و الى قضاء الدبس وايضا لشراء سندويج اتناوله وقت الغداء مع قنينة ماء.
في هذه الاثناء قفز الى عربة كاروان طفل مشاكس تكاد ابتسامته ان تشقشق الغبار الذي تجمع على وجهه فصاح الاطفال ( اوهوووو هم اجيت ) وهو يضحك ..
سألته ما قصتك ؟
فأجاب : انا جابر ويسمونني هنا (جوقي ) لا اعرف عمري بالضبط لكنني اعرف جيدا ان الحياة كلها هموم فلماذا اهتم لها .. انا اعمل هنا في كل شيء .. حمال .. بياع .. منظف .. اي شيء .. لكنني اصرف كل ما احصل عليه والعب وامرح مع اصدقائي ولا يهمني اي شيء وشعاري في الحياة ( خل اكل اليوم وباجر الله كريم ) انا ايضا من عائلة نازحة نسكن في هيكل لا يقينا من حر ولا من برد نحن في البيت كل واحد مسؤول عن نفسه وكل واحد حائر مع نفسه !
. . هكذا نعيش كعائلة لان ابي تركنا منذ زمن طويل بعد انفصاله عن امي وهي لاحول لها واخواني الاكبر غير مكترثين لاي شيء .
وفي هذ الاثناء .. لفت انتباهي طفل اخر في الثامنة من عمره يحمل( العلاليك ) بيده عاليا وعندما رأى الكاميرا بيدي ادار وجهه عني .. وقال لي .. لا تصورني فتوددت اليه حتى اقنعته بالكلام فقال :
انا من عائلة فقيرة نحن خمسة ايتام نعيش مع اختنا الكبرى وانا اذهب للمدرسة وارى اصدقائي يلبسون وياكلون ويشربون ويلعبون .. وانا محروم من كل شي .. ( نزلت دمعته ) ومضى في القول : انا اعمل بعد الدوام كل يوم وفي يوم الجمعة اعمل من الصباح الى المساء فقط لكي نشتري ما نستطيع ان نعيش به يومنا وعندما اعود اجد ابن جيراننا الاغنياء يصيح في الباب ( اي بادتي ) وانا اصيح في داخلي بصمت ( اي ظهري ) ..
وفجأة هرب الاطفال من حولي !
واختفوا في الازقة وتخفوا بين الناس ! بقيت انتظر لاعرف السبب .. بعد برهة .. عادوا ..
فقلت لهم ما بكم ؟
فقالو : لقد جاء .. لقد جاء .. لقد جاء حسن .. وهرب عندما رأى الشرطة ..
فسألتهم من هو حسن وما هي قصته ؟
فقال احدهم : حسن اكبر منا (مراهق ) كان في السجن وخرج .. هو .. يدخن السكائر ويشرب الخمر ويتعاطى الحبوب المخدرة .. كل يوم يأتي ليضرب هذا ويركل ذاك ويأخذ منا كل واحد الف دينار او اكثر واحيانا يتحارش بالاطفال الصغار وعندما يرى دورية الشرطة يهرب من السوق.
وقال طفل اخر انا شاهدته يحمل معه سكينا” ويهدد بها احد الاطفال ليأخذ منه كل ماله الذي تعب طوال النهار ليحصل عليه من عمله !
واضاف : هو يأخذ من الكل الا من جماعة ابو ابراهيم وهم مجموعة اطفال يجلبهم ابو ابراهيم يوم الجمعة وايضا في كل يوم معه بسيارته ويبقى معهم يراقبهم ويحميهم لكنه في المساء يجمع منهم ما حصلو عليه ولا يعطيهم الا القليل وذلك مقابل النقل والحماية.
ثم قالوا جميعا” : نحن اطفال حرمنا الزمن من طفولتنا ..
وهذه قصتنا.