د. نبراس المعموري
الى اين نحن ماضون؟ هذا هو السؤال الحاضر بعد عملية سياسية دخلت صالة الانعاش بالرغم من ان تلك الصالة غير مؤهلة لاجراء الانعاش !
عبارة الشراكة السياسية واستحقاقات المكون وحق الاغلبية ، الذي انتهجته الاحزاب السياسية، لغرض البقاء في السلطة والاستفادة من مميزاتها، وما ترتب عن ذلك من ملفات فساد مالي واداري.. شكلت تحديا كبيرا تدركه جيدا قيادات تلك الاحزاب لكنها ظلت تعتمده نهجا لسياستها وادارتها غير مكترثة لما هو اكبر من كل ذلك, وشجعها في ذلك دور الولايات المتحدة الامريكية المتخبط اللامسؤول كونها كانت الاداة الاساسية لتغيير النظام السياسي في العراق بعد 2003 ، يرافق ذلك انهيار المؤسسات وانتشار المجاميع المسلحة والارهابية والتدخلات الاقليمية من دول الجوار في الشأن الداخلي بل احيانا في رسم المشهد السياسي وتبني المواقف الرسمية .
ان المعادلة السياسية في العراق التي افرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، وما ترتب عنها من التشكيك تارة والمفاوضات تارة اخرى، وتوافقات رسمت مشهد تشكيل البرلمان فرضتها المصالح الفئوية التي لم تأبه لمصير دولة تنهار وهي تشهد خلافات حادة على تشكيل الحكومة ، والتي ادت الى ان يتبنى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مطلب حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة جديدة ، امام اصرار الاطار التنسيقي على تشكيل الحكومة وفق رؤيته الخاصة التي يرفضها الصدر.
و بعد تحول ساحة المفاوضات والمشاورات الى ساحة من المناوشات بين التيار الصدري و الاطار التنسيقي؛ امسى مشهد الاقتتال استثنائيا بين ابناء المكون الواحد ولعل الايام الماضية كانت خير دليل فاللجوء إلى الأسلحة وتحويل العراق إلى ساحة حرب ضروس؛ برهنت اننا خارج سيطرة العقل والتعقل ولعل للحسابات الاقليمية والدولية ابعاد ومسارات اخرى خاصة مع حسابات توازن القوى وحلفاء تلك الاقطاب الاقليمية والدولية ؛ فمواسم الاقتتال اتسعت وما حصل في حرب اوكرانيا بفعل السلاح انسحب اقتصاديا واجتماعيا على اغلب الدول , والعراق ليس ببعيد عن ذلك .
و مع اتساع رقعة الفلتان الامني وضياع السلام الداخلي، وارتفاع اعداد الذين قتلوا بنار الفلتان الامني والفوضى عدا الجرحى والدمار والفوضى التي شهدتها بعض المدن والمؤسسات العراقية مؤخرا.. فأننا امام رسالة مفادها فشل النظام السياسي الذي حمل لواء التغيير والتحول الديمقراطي في بناء دولة المؤسسات التي تنعم بالامن والسلام والاستقلالية .
استحالة استمرار الوضع الحالي..
لحسابات السلم المجتمعي المفقود.. لصالح الفلتان الأمني والصحي والتعليمي، لصالح بؤس المعيشة وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، والافق السياسي المفقود ، لصالح ايغال بعض الاطراف الاقليمية في الشأن العراقي.. لكل هذه الحسابات وغيرها لا يمكن للعراقيين ان يظلوا اسرى لعملية سياسية وحزبية سلطوية ، وعصابات تعيث في الارض قتلاً وتهديدا وفساداً ، ولن يكون لاستمرار الوضع الحالي فيه مكان.. وبذلك هناك تغيير فهل سيكون هذا التغيير خاضعاً لحسابات عقلية وعلمية ؟ ام سيجد العراقيون انفسهم ينجرون لتغيير قدري خطير.. نتيجة لاصرار بعض القيادات السياسية على قراءة ما كان وما هو كائن وما سيكون برؤية واحدة حالمة لا مكان لها على الارض؟ إن الرهان على بقاء الوضع الحالي لشهور قادمة وفقاً لأية حسابات كانت هو رهان غبي لأنه رهان على استمرار الكارثة . إن كل الخيارات تنطوي على صعوبات وتحديات ، وعلى شيء غير قليل من المغامرة ولا غرابة ان تظهر بعض الاصوات سواء على صعيد القيادات الحزبية والدينية او الحكومية محذرة من الانهيار اذا استمر الحال على ما هو عليه..
ان الارتهان للانتخابات المبكرة بأشراف دولي واعتماد نتائجها كيفما كانت .. هي الحل للخروج من ساحة الاقتتال ، مع ضرورة ان تعي القيادات السياسية المنبثقة عنها والتي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة ، اهمية التغيير الايجابي سواء على صعيد الدستور والنظام والسياسة الخارجية وصولا لرؤية مستقبلية تنهض بالبلد على الاصعدة كافة .