صباح الكربولي
ان اصلاح التشريعات وتحديثها وتدوينها يمثل مقياسا في تقييم المستوى الحضاري وتؤشر على حسن التنظيم الاجتماعي للدولة وتؤشر على درجة الوعي السياسي والقانوني للقابضين على السلطة.
ومن المبادىء العامة لدور المشرع سن السياسات التي تعكس نوايا جادة للتغيير والاصلاح في شكل قواعد قانونية لكي يستطيع القانون ان يحدث تغييرا اجتماعيا مقصودا وذلك بشرط ضمان تنفيذ فعال لهذه القوانين لان عجز بعض الاجهزة عن تنفيذ القانون معناه خيبة امل كبيرة في الدولة وسياستها .
وان اي اجراءات دستوريةوتشريعية يتخذها مجلس النواب مهما كانت دقيقة في الاصدار والتحديث والمراجعة اذا لم تكن تعبر عن ضمير الشعب وتساهم في تغيير حياته نحو الافضل لا تجد صداها في علو شانه وقيمته لدى الشعب.
.ان تشريع القوانين يمثل صورة حية عن الواقع الانساني المليء بالمتغيرات والتطورات ويفترض ان يجاري هذا الواقع ويقوده الى مستقبل افضل اكثر عدالة ومساواة وتقدم ومواكبة التطور العالمي في شتى مناحي الحياة .
مما لاشك فيه ان الاحتلالات واكتشاف النفط في العراق والمنطقة والانقلابات وتغيير الانظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق اثرت على الاوضاع الدستورية والقانونية واسوء ما في الامر ان هناك قوانين ما زالت منذ تاسيس الدولة العراقية في العهد الملكي عام 1921 استلهمت مفاهيم العهد العثماني والاحتلال البريطاني وتركت الاثر في القوانين الوطنية وكذلك الاحتلال الامريكي عام 2003 الذي اصدر قوانين باسم سلطة الائتلاف المؤقتة مستندة الى قرار مجلس الامن الدولي رقم 1483 لسنة 2003 وبتوقيع الحاكم المدني الامريكي بول بريمر وقد تراوحت هذه القوانين بين اوامر ومذكرات واشعارات وتعليمات ولم تراعي هذه القوانين الصياغة في النظام القانوني العراقي من تسمية لعنوان القانون وترقيم ونفاذ وصياغة قانونية ومن الناحية الموضوعية فقد جاءت هذه القوانين بمراكز قانونية وانشأت هيئات واوضاع قانونية جديدة كما شرعت جرائم وعقوبات مستحدثة لم يألفها النظام القانوني العراقي مثل السجن مدى الحياة كما ورد في الامر رقم 3 في 13/9/2003 ومازالت نافذة الى يومنا هذا
وندرج في ادناه بعض هذه الاوامر التي صدرت :
• السيطرة على الاسلحة رقم 3 لسنة 2003
• هيئة الاتصالات والاعلام رقم 65 لسنة 2004
• العقوبات رقم 7 لسنة 2003
• حرية التجمع رقم 19 لسنة 2003
• المصارف امر سلطة الائتلاف رقم 40لسنة 2003
• ادارة السجون ومرافق احتجاز السجناء رقم 2 لسنة 2003
ان الامر يحتاج الى وقفة جادة لالغاء مايستوجب الالغاءوالتعديل وبما ينسجم مع التشريعات النافذة من حيث الشكل والمضمون ودون الاضرارباية حقوق مكتسبة للافراد والجماعات ومن باب الحفاظ على وحدة التشريع في النظام القانوني العراقي ، خاصة وانها لم تصدر باسم الشعب كما يقتضي في سن القوانين استنادا الى المادة 128من الدستور وهي محررة بلغة غريبة عن ثقافتنا ومترجمة الى اللغة العربية كما ان اتفاقية جنيف لا تجيز للمحتل تغيير التشريعات المحلية .
ان تاصيل الاساليب السليمة المعتمدة في تحديث بعض القوانين باتباع منهج علمي حديث تسير عليه العملية التشريعية في اعداد مشاريع القوانين ومراجعتها و الصادرة منذ زمن يعد مطلبا ضروريا من اجل النهوض بالواقع التشريعي وتجاوز كل المعوقات والحواجز من اجل وضع تشريعات فعالة تساهم في التغيير والتحول الديمقراطي .
ان توفير الفضاءات للحوار والتشاور والمشاركة الواسعة وفتح افاق التفاعل والتلاقي في صناعة التشريعات يساهم في دعم الاستقرار المجتمعي وتعزيز الامن والبناء القانوني الرصين .
ان التوازن الدقيق في عملية الثبات والاستقرار وتطوير النصوص التشريعية وتوضيحها واستكمالها مسألة في غاية الاهمية والدقة وتحتاج الى مهارات وخبرات طويلة لرجال القانون .
ان تشكيل هيئة مختصة للمراجعة والتقييم التشريعي الدوري لقياس مدى اداء وفعالية القوانين تعد ركيزة اساسية ومهمة في العمل التشريعي وهذا مانفتقده في العراق ازاء هذه التحولات الكبيرة والهائلة التي حدثت في العراق وعدم ترك الامر الى اللجان البرلمانية لعدم وجود الاختصاص الدقيق وضغط العمل اليومي والسياسي وعدم التفرغ لهذه المهمة كما يتطلب الامر الاخذ باراء المحاكم ومااستقر عليه القضاء من اجتهادات في كثير من الجوانب وادخالها في صلب القانون يعد ايضا استكمالا لجوانب العدالة .
اننا نؤكد وندعو كل وسائل الاعلام الى ابراز النقاط الاساسية لكل مشروع قانون ومتابعة اعمال اللجان البرلمانية وجلسات مجلس النواب مما يضفي العلنية والشفافية ويسلط عليها مزيد من الاضواء الكاشفة التي تساعد على زيادة التفاعل والتلاقي بين اطراف العملية التشريعية .
واذا كانت التشريعات تتم عبر هذه القنوات المتعددة المتخصصة سياسيا وقانونيا فلابد ان تخضع تباعا لعملية الحداثة لتواكب كل الافكار والطموحات المجتمعية الراهنة والحديثة فهي ليست جامدة بل متفاعلة باستمرار مع كل المتغيرات والتطورات.
ان تحديث القوانين بشكل دائم يمثل ورشة تبدأ ولاتنتهي طالما ان الانسان يعمل وينشط ويتجدد ويتمرد على السكون ويبحث عن التفرد خاصة وان معظم القوانين قد تخطى الزمن القسم الكبير منها ولم تعد تواكب ركب الحضارة بالاضافة الى تغير العادات والتقاليد والاكتشافات والاختراعات العلمية الجديدة .
كل ذلك يتطلب نفض الغبار عنها واعتماد الحداثة ومجاراة التطور في المضامين والاسلوب .
كما يتطلب الامر في تحديث القوانين الوعي والدراسة والمقارنة واشراك الجميع بمعنى ان نقف على راي العدد الاكبر من القضاة والمحامين ومراكز البحث ومنظمات المجتمع المدني المختصة والشرائح المهتمة بمشروع القانون لانه بقدر مايتسع افق المشاورة بمقدار ماياتي العمل التشريعي خاليا نسبيا من الاخطاء
ان الترفع عن الصراعات السياسية وتركيز جهد ووقت مجلس النواب في المهام الاساسية له تعد المهمة الكبيرة والانجاز الفكري والحضاري الذي سيخلده التاريخ لهذه الدورة البرلمانية.