د. نبراس المعموري
يعد الخطاب السياسي أداة مهمة للفاعلين السياسيين؛ لما له من اثر في عملية اقناع الجمهور الموجه لهم الخطاب، من خلال العديد من الرسائل والطرق المدعمة بالحجج والبراهين، والوسائل اللغوية والمنطقية الصحيحة بما ينسجم مع ظروف ومتطلبات ذلك الجمهور .
و على مر التاريخ استخدم الخطاب السياسي كوسيلة أساسية للوصول إلى الحكم وذلك من خلال إقناع الجمهور والتحدث عن مشكلات و وعود لحلها، اتصفت في منطقتنا العربية بالعاطفية خاصة ابان المزاج الثوري والقومي كما في العراق وسوريا ومصر .
لقد سُميت السياسة ضمن المنظور الاكاديمي والعلمي بالعلوم السياسية لأنها مرتبطة بعدة علوم منها علم النفس؛ فمن يمارس الخطاب السياسي عليه أن يفهم ويفقه المزاج الحاصل بين صفوف الجماهير؛ فالجمهور لا يهمه المنطق ولا اللغة العقلانية ولا النظريات، فهو يريد خطاباتٍ تُشبع رغباته واحتياجاته ويستجيب لمتطلباته، وقد اعتمدت اغلب الزعامات السياسية ابان القرن الماضي هذا الاسلوب والتوجه في الخطاب السياسي، وكان يشفع لها انها كانت توجه الخطاب بطريقة تبدو عاطفية او ثورية الا ان اغلب الزعامات السياسية في تلك المرحلة كانت تملك القدرة على جعل الخطاب مقبولا وصولا للغاية التي اعد من اجلها.. بعبارة اخرى استطاع العدد الاكبر من الفاعلين السياسيين في تلك المراحل التاريخية المتعاقبة المزج بين العقلنة والعاطفة بتضمين خطاباتهم دلالات الأمل وخططا بديلة يتشاركها مع الجهات ذات العلاقة والدعوة إلى البحث عن سبل لتطوير وقد يكون هذا السبب وراء بقائهم في السلطة لسنوات بل احيانا توارثوا تلك الزعامات ليكونوا فيما بعد رموز خلدها التاريخ والبعض الاخر ديكتاتوريات حكمت لسنوات طويلة .
وبالرغم من اهمية الخطاب السياسي في منطقتنا العربية الا انه واجه مشاكل عدة خاصة مع التحولات السياسية والاعلامية و ما يسمى ب ( الربيع العربي ) والذي يعد مرحلة تحول استثنائي في شكل الدولة العربية ما بين دولة النظام الشمولي إلى دولة نظامها غير مستقر سياسيا واقتصاديا في محاولة منها لولادة نظام ديمقراطي، وهذا ادى الى تغير في خصائص وعناصر الخطاب السياسي مثل اشكال وادوات نقل الخطاب ونوعية الاشخاص الذين تقع على عاتقهم هذه المهمة من حيث المضمون والكاريزما والتأثير وطبيعة توجهاتهم والجهات التي يمثلونها، وبالتالي انعكس على مسارات النضج في مضمون الخطاب التي بدأت تتضاءل لتبدو (أَنوية) واحيانا (سطحية ) ؛ فيكون اما سلسلة مديح واستعراض ومؤازرة دون الخروج برسالة واضحة تؤدي الهدف والوظيفة، او خطاب يغلب عليه طابع النكتة تجعل من ذلك القائد او المسؤول فيما بعد محط سخرية لدى الرأي العام.
ور بما يكون الهدف من الاستعراض في التصريحات والخطابات السياسية بطريقة غير منظمة او مدروسة هو لفت الانتباه ومحاولة لرفع عدد المشاهدات والمتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي دون الاكتراث لما سيترتب فيما بعد.
ان تغير نوعية الفاعلين السياسيين في ظل تلك التحولات انتج نوع جديد من الخطابات عكس مستواهم الحقيقي!! ومدى المامهم من عدمه بالعمل السياسي والحزبي؛ فالمتتبع للشأن السياسي العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص يدرك جيدا المستوى المحدود لتلك الشريحة الجديدة ويعي تمام اليقين أن بعض الاحزاب او الكيانات التي تمثلها تلك الشريحة لا تمتلك خارطة طريق لتسيير شؤونها ولم تخطط لأهدافها على المدى البعيد ولا القريب؛ فكيف لها ان تصنع خطابا سياسيا ناضجا او على اقل تقدير مقنعا!!
من وجهة نظرنا ان الخطاب السياسي على مستوى العراق يمر بظاهرة مرضية بعد إصابته بالخرف والقصور في النوعية والمضمون والحضور وعدم الوعي بالتبعات المترتبة على خطابات عفوية لا معنى لها ولا تنسجم مع حجم الكارثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد في ظل التحول الديمقراطي.