بقلم سـمير النشـمي
بد ًء لا ب ّد من القول بأ ّن العنف الأسري ليس بالظاهرة المستشرية في المجتمع في
الوقت الراهن ، ولكنه أ ْن ترك علاجه ستكون نتائجه وخيمة كارثية مستقبلاً ، بل هو سيتحول إلى مرض اجتماعي خطير من الصعوبة علاجه بل ستترتب عليه تداعيات لا يمكن حساب نتائجها ..
ولا ننسى أ ّن الاعلام حاليا دائم التركيز عليه من خلال الحوارات ومن خلال عرض
بعض النماذج من الصور سواء في البيوتات أو في المدارس عندما يعنف المدرس أو المعلم بعض الطلبة ، ومع ذلك فإن دور الاعلام هو التنبيه إلى مخاطره وضرورة إيجاد الوسائل لقتل هذا السلوك عند البعض ، رجالا كانوا أو نسا ًء ..
والذي يؤاخذ على الاعلام أنه سلاح ذو حدين ، فمن يريد ش ّرا بالعراق سيستخدمه
وسيلة للتشنيع بالبلد وأبنائه وبأنهم يعانون من الجهل والتخلف وانعدام التحضر بدليل وجود هذا العنف الذي ينقله الاعلام ويعاني منه المجتمع ، وعندما يتم الاقتناع الدولي بوجود هكذا سلوك سيحكم علينا بالتخلف وسينظر إلينا نظرة خاصة مفادها أن التخلف هو الذي يحكمنا وعند ذلك سنجد صعوبة بالغة في تغيير وجهة النظر هذه عن مجتمعنا في ليلة وضحاها .. ومع كل ذلك من حقنا أن نتساءل من هو المسبب لظاهرة العنف أو هذا السلوك العنيف في التعامل الاسري ، هل هو الرجل أو هي المرأة أو كلاهما على حٍّّدسواء..؟
فلو افترضنا جدلا أنهما معاً السبب في هذا العنف ، فهل هما لوحدهما أو يشاركهما
في هذا الصراع المجتمع برمته ، فالمجتمع الذي يقف متفرجاً دون أن يتدخل لفهم هذا السلوك أولا ، ولا يعمل على إنهائه أو الحد منه ثانيا ، فإنه يكون هو السبب في سلوك العنف هذا ، لأن العنف سواء كان من الرجل إلى المرأة أو من المرأة للرجل أو من كل
2
جنس ضد جنسه ، فيا ترى أليست هذه الحالة هي حالة الفوضى بعينها ، ومجتمعنا لم يصل بعد إلى هذا المستوى من السلوك العميف ، ولو كان العنف محصوراً فقط في الاسرة فما ذنب الابناء وهم يعيشون هذه الاجواء العنيفة ، فهل هم ولدوا ليعشوا هكذا سلوك منحرف ، ومع ذلك نعود لنقول لماذا لم يكن العنف الاسري بهذا الشيوع قبل ثلاثين أو أربعين سنة مضت ، لا جدال أنه كان موجود بنسب ضيئلة جدا ولكن لو كان للإعلام دور في ابرازه في تلك الفترة ربما نقول نحن توارثناه ممن سبقونا ..
إذن نخلص من ذلك أ ّن الإعلام يتحمل مسؤولية الترويج والتضخيم ، وبذلك سيرسخ في العقول ويصبح لا شعوريا جزء من السلوك اليومي المعتاد للفرد وللأسرة بعد ذلك، بعض الاعلام يبحث عن قصب السبق في ما يطرحه عن العنف خاصة عندما يتناولها في أخباره وبرامجه المتنوعة ، وكل يحاول أن يبين من الاسباب ما قد يكون خارجاً عن المسار المؤدي لحدوث العنف ، فاختلاف الأزواج يمكن أن يحل بحكم من أهله وحكم من أهلها ، فإ ّما أن يتم التراضي بينهما وإ ّما أن ينفصلا وبذلك فلا حاجة للعنف والاعتداء على أفراد الاسرة ، ثم أن الخطأ قولا أو سلوكاً وارد من الطرفين فلا الرجال
ولا النساء معصومون من الخطاء الذي يؤدي إلى السلوك العنيف ، بذلك ينعكس هذا السلوك على أطفالهم الأبرياء ، وهذا طبعا ما لا يمكن السكوت عليه لا عرفا ولا قانونا وإذا ش ّب هؤلاء الأطفال وترعرعوا في الاجواء العنيفة سيكتسبون هذا السلوك تلقائيا وتقليدا لمن هم أكبر منهم ..
فإذا ما ش ّب الاطفال على العنف فسببه المجتمع الصغير ومن بعده المجتمع الكبير وسينعكس ذلك على مجريات الدولة عامة ، لذا بات على الدولة محاربة سلوك العنف قبل أن يستفحل ويصبح ظاهرة عامة ، إذ عليها أن تهييء البرامج الخاصة بالتوعية وبيان مضار هذا السلوك ابتدا ًء من رياض الأطفال وبقية مراحل الدارسة وبذلك نكون قد ضمنا مبدئيا التعرف على نتائج هذا السلوك لمن يمارسه ..
3
وهناك حقيقة لا يمكن أغفالها حول مسببات العنف الأسري حصرا لم يتطرق إليها أحد ، ألا وهي رفع الحاجة والعوز وإيجاد وسائل العمل للجميع من أجل العبش بسلام في هذه الحياة ، هذه الحقيقة تتعلق بالتوزيع العادل والمنصف لثروات البلد ، لا أقول بالتساوي المطلق ، فللعلماء وأصحاب المسؤوليات الضخمة لهم درجة أعلى بعض الشيء ، فلو توزعت الثروات على الجميع لن تجد جائعاً ولا محتاجاً ولا عاطلاً عن العمل وهو قادر عليه ، ولا تجد من يهرب من بلده ليجد حظه في بلد آخر ، ولا تجد من يستخدم الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل أن يعيش ، فالذي يبقى محتاجاً قد يسلك كل الطرق الملتوية من أجل أن يعيش ، وإذا ما حدث ذلك فستشيع الفاحشة ويصبح الحق باطلا والباطل حقاً ، ومن لا يتمكن من فعل تلك الأساليب سوق يظهر غضبه على عائلته أو يهملهم حتى يدعهم ينحرفون عن جادة الصواب ..
إذن فالدولة التي نقود المجتمع وتنظم له حياته هي المسؤول الأول عن كل المظاهر والسلوك الحسن أو الشاذ بين الأفراد ، وحينما لا تكون جادة ولا واعية للمخاطر فإنها ستكون هي السبب في وجود هكذا مشاكل ، ومن بينها العنف الأسري ، إذن على ولاة الأمر مساواة الجميع في توزيع الثروة بعدالة ، وإيجاد فرص عمل لكل قادر عليه نسا ًء ورجالا ، ومحاربة كل أشكل الفساد ، وأن ينم تغليب مصلحة المجتمع على المصالح الخاصة ، لأن حركة الناس ومسيرهم إنما يكون انعكاساً لمن يتولون أمرهم ، فالناس على دين ملوكهم كما يقول المثل ..
شاهد أيضاً
العراق وطن القلوب والحضارة
اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …