“جوقة عزيزة” تعزف على خطوط السياسية والدين

د. نبراس المعموري

تحظى الدراما السورية بمتابعة كبيرة في موسم رمضان الدرامي، ومن أبرز الأعمال التي  تصدّرت عبر احصاءات “غوغل ترندز” من حيث الصور والأخبار وموقع “يوتيوب”، المسلسل الدرامي التاريخي “جوقة عزيزة” من تأليف خلدون قتلان وإخراج تامر إسحاق وبطولة نخبة من ألمع نجوم سورية مثل نسرين طافش، سلوم حداد، أيمن رضا، وغيرهم.

تدور أحداث المسلسل في حارة دمشقية في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، حين كانت سورية تحت الإنتداب الفرنسي، وعزيزة فتاة يتيمة الأب والأم تربّت في الحارة على أيدي حمدي عازف الطبلة، وترعرعت بين المسارح ومع نجوم ذلك العصر، لتصبح فيما بعد هي نجمة المسارح، وتساهم في تأسيس الحياة الفنية والاستعراضية والمسرحية في الشام.

لقد ناقش المسلسل مواضيع عميقة ومهمة في تاريخ سورية منها الصراعات على قيادة المجتمع ومواقف رجال الدين التي حكمتها المصالح الشخصية دون النظر الى المصلحة العامة، وذلك من خلال شخصيات متنوعة ومختلفة رُسمت ادوارها  عبر اربع خطوط درامية “سياسية ودينية وجنسية وفنية ” ، اضافة الى ما ترتب عن شهرة “عزيزة ” من علاقات مع رجال الدولة، وحكومة الإنتداب وأثرياء سورية، بالرغم ان “عزيزة” كانت تحمل في داخلها حبّاً لبلدها وكرهاً للإنتداب, فراحت تجمع المعلومات وتنقلها لرجال الثورة وسط تحديات ومخاطر كبيرة .

التشويق والمغامرة التي رافقت المسلسل كانت نابعة من تنوع شخصيات عمل “جوقة عزيزة” وما ترتب عنها احيانا من صدامات يكون غالبا سببها عزيزة وفرقتها، لتتصاعد الأحداث في إطار درامي تاريخي اجتماعي يجمع بين ثنائية الحب والتاريخ.

وكما اعتدنا في اغلب مجتمعاتنا العربية عندما يعرض مسلسل يتطرق لقضايا حساسة يواجه بردة  فعل كبيرة، خاصة ان بيئتنا الشرقية تفضل كتمان الحقيقة تحت حجج واهية، وهذا ما سجلناه ونحن نتابع مواقع التواصل الاجتماعي بشأن المسلسل وبعض الكتابات والتعليقات السلبية بسبب رصده لمواضيع حساسة في تاريخ المجتمع السوري لم يتم تناولها سلفاً نظراً لحساسيتها.

في اغلب انشطتنا الاعلامية والاجتماعية والسياسية تحدثنا عن أهمية الدراما ودورها في التوعية والتثقيف، وتعبئة الرأي العام خاصة في القضايا المصيرية والمجتمعية، ومن يعمل في مجال الكتابة والدراما يدرك جيدا ما اقصد عبر سطوري بتناولي انموذج للدراما السورية بالذات ، كونها من وجهة نظري تعد الاولى من حيث القنية الفنية والاخراجية والفكرية، و “جوقة عزيزة”  كانت الزر الاحمر الذي تجاوز خطوط السياسة والدين بالذات ، ودق باب الحقيقة المغيبة، واكد ان عوالم السياسة تغازل عوالم الليل والفن واحيانا قد تكون مخدعا للقرارات المصيرية .

كشف المستور عن صفحات التاريخ السياسي المعاصر لمنطقتنا العربية بمهنية واحترافية وموضوعية عبر انتاج درامي او سينمائي، مهمة اساسية لمراجعة التسلسل الزمني لما حدث وسيحدث، ودرس كبير للاجيال التي تصبو الى التغيير الايجابي .

“جوقة عزيزة ” كانت جوقة لصرخة تاريخية بطلتها امرأة وعرابها المسرح بكل اركانه الاربع !.

شاهد أيضاً

غيبوبة المدى !

د. نبراس المعموري قد يبدو مصطلح (غيبوبة المدى ) ذو طابع أدبي أو فلسفي، لكنّني …

error: Content is protected !!