حذيفة المعموري
ان السباق الرئاسي المرتقب والمتمثل بالإنتخابات الرئاسية الفرنسية بات قريباً جداً وعلى الأبواب … وسط توقعات حول ضعف المشاركة وعزوف بعض الفرنسيين عن خوضها لأسباب أعدها المجتمع الفرنسي بعدم تحقيق طموحاته وتطلعاته على يد هؤلاء السياسين الذين رشحوا من قبل أحزابهم لخوض هذه الإنتخابات .
بينما يرى الأخرون وجوب التغيير والمشاركة وضرورة إعطاء فرصة للأخرين لمن تتقارب مشاريعهم وافكارهم السياسية مع تطلعات وطموح هذا الشعب … كما إن الانتخابات ستجرى على دورتين الاولى في العاشر من هذا الشهر والثانية في الرابع والعشرون منه أيضاً والتي سيتنافس عليها 12 مرشحاً في الدورة الأولى … ومن ثم التوجه للدورة الثانية في الرابع والعشرون من نيسان _أبريل والتي ستكون بين مرشحين اثنين فقط من الذين سيحالفهم الفوز بالدورة الاولى .
فبعد أن أعلن المجلس الدستوري الفرنسي عن قائمة الأسماء النهائية للمرشحين الذين سيخوضون السباق الانتخابي الرئاسي بعد حصول كل شخص منهم على تخويل متمثل ب 500 توقيع إضافةً لكشف واضح وصريح لذممهم المالية والتي كانت شرطاً لدخولهم هذا المعترك التنافسي … اذ سيتمكن 12 مرشحاً فقط من خوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية بينهم 4 نساء فقط وهم كلاً من : ( إيمانويل ماكرون مرشح تيار الوسط وهو يمثل حزب الجمهورية إلى الأمام ، ومرشحة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، ومرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، ومرشح فرنسا الأبية جان لوك ميلنشون، ومرشحة التجمع الوطني مارين لوبان، ومرشح حزب استعادة فرنسا إيريك زمور، ومرشح حزب الخضر يانيك جادو.إضافة لهؤلاء، سيخوضون الانتخابات كلاً من نيكولا دوبون-إينيان، وجان لاسال، وفبيان روسيل، وناتالي أرتو وفيليب بوتو ) .
الجميع يترقب الأحداث ولكن بشكل مغاير ومختلف عن سابقه ،،، فالأزمات والأحداث تتزداد شيئاً فشيء في اوربا والحرب الروسية الأوكرانية ستشكل منعطفاً وتغيراً كبيراً على المستوى الأمني والسياسي والإقتصادي في أغلب دول الإتحاد !!!!! إذاً ،،،، لِمن سيُسلم مفتاح قصر الاليزيه نهاية أبريل القادم ؟
فهل فعلاً يعتبر إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron ) الاوفر حظاً لولاية جديدة قادمة ؟ ام سيكون اليساري الراديكالي مرشح ( فرنسا الأبية ) جان لوك ميلونشون (Jean-Luc Mélenchon ) هو صاحب المفاجأة الكبيرة من خلال كسبه لأصوات سكان ضواحي باريس والمدن التي يكتض فيها المهاجرون المسلمون والأجانب ذات الأصول العربية والافريقية وغيرها ،،، والذي كان قد شاركهم العديد من المسيرات المنددة بالاسلاموفوبيا والاعتراف بدولة فلسطينية لها الحق في استمرارية أراضيها، على أساس حل الدولتين ومن خلال التطبيق الكامل والكلي لقرارات الأمم المتحدة ، ولكون منهجه السياسي يتوافق الى حدٍ ما مع تطلعات هذه الشريحة ومطالبها جعله اكثر المرشحين قبولاً لديهم … بينما يرى الأخرين أن تصريحات جاك لوك ميلونشون تمثل ضربا من الغزل السياسي الموجه للمسلمين والمهاجرين .
ان فضيحة ماكرون الأخيرة والتي سميت بفضيحة ( اي ماكنزي ) وهي شركة أمريكية تقدم خدمات استشارية كانت قد قدمت خدمات مجاناً في حملة ماكرون الأولى عام 2017 وبعد فوز ماكرون تم تعينهم في مناصب ادارية وحكومية حسب ما أدلت به صحيفة (( لوموند الفرنسية ) ناهيك عن تحايل هذه الشركة وامتناعها عن دفع المستحقات الضريبية المتراكمة عليها وامتناعها عن الدفع لمدة عشرون عاماً … والتي كان قد أعلن عنها مجلس الشيوخ الفرنسي قبل يومين مما ادى إلى امتعاض الفرنسيين واعتبروها بمثابة إلتفاف وتحايل على القانون مما أدى ذلك إلى تراجع ملحوظ في شعبية ماكرون خلال هذا الأسبوع … الا انه مازال يشكل خطراً ويمكن اعتباره أوفرهم حظاً من خلال أخر استطلاعات للرأي نتيجة سياسة ماكرون التي وصفها الخبراء بالمناسبة لفرنسا .
ماكرون يسعى لبناء ما وصفه”بميتافيرس أوروبي” لمنافسة كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية ، ولجعل القارة الأوروبية أكثر استقلالا واستقراراً وقوةً في هذا المجال ،،، كما يرى ان فرنسا تمتلك القوة العسكرية الأكبر في أوربا ومن هنا تتفاقم حجم المسؤوليات عليها وينبغي ان تكون قراراتها ومواقفها منضبطة ومسؤولة وقادرة على درأ الخطر والتهديد الذي يلحق بالتراب الفرنسي خصوصاً واوربا عموماً … ناهيكم عن موقف ماكرون الغير معلن والغامض اتجاه ملف القضية الفلسطينية والذي يعتبر محوراً أساسياً وهاماً في رسم جزء كبير من سياسة فرنسا الخارجية القادمة وطبيعة علاقتها مع إسرائيل … خصوصاً أن فرنسا كانت قد أجرت تحديثات على موقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فهي لا تستبعد إمكانية حل مختلف عن حل الدولتين وان هذا التحول بالموقف كان نتيجة المداولات والحوارات التي أجرتها منظمة ( ألينت ) المهتمة بتعزيز العلاقات الإستراتيجية بين أوربا وإسرائيل .
كما ان هناك أوساط قريبة كانت قد كشفت عن احتمالية تقديم ماكرون لضمانات لليهود مقابل دعمه لتولي حقبة جديدة … إضافةً لذلك فإن ماكرون يدعوا لتكثيف الجهود من أجل مزيد من التطور والتقدم في مجالي الزراعة والصناعه والوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي. كل ذلك ساعد ماكرون في ان يحظى بتقدم كبير يفوق مرشحين أخرين في استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الستة أشهر الماضية بعد ان كانت شعبيته في تدهور مستمر .
ان طبيعة الأداء السياسي الذي قام به ماكرون في طريقة إدارة ملف الغزو الروسي لأوكرانيا أعطاه من الإيجابية التي عززت من ازدياد شعبيته بحسب خبراء السياسة والتي وصفوها بالحكيمة والجيدة .
وينظر إلى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون على أنه ينتمي إلى تيار الوسط والذي يعد اكثر قبولاً لدى الفرنسيين بعيداً عن التطرف ( الراديكالية اليمينية واليسارية ) وهو يمثل حزب “الجمهورية إلى الأمام” ويجتذب ناخبين من كل من اليمين واليسار .
كما لا ننسى أن في مثل هذه الفترة لا بد من أن تنطلي علينا تصريحات مستفزة ومثيرة للغاية ومدعاة للسخرية لتعبر عن حقدٍ أعمى وسياسة متهورة لا تنم عن مبدأ الحكمة ولا تتناغم مع أبسط أسس الشرعية ولا حتى قوانيين الحرية والديمقراطية الشاملة وعدم إيمانهم الكامل والمطلق بمبدأ التعددية واحترام لحقوق الأنسان وقيمه وحرية التعبير وازدراء الأديان والتي كان قد كفلها الدستور الفرنسي … إلا أن أغلب هؤلاء المرشحين هم من اليمين المتطرف .
فماري لوبان (Marine Le Pen ) بعد أن كشرت عن أنيابها من خلال تصريحاتها التي تكن الحقد والعداء للإسلام والمسلمين في حملاتها الانتخابية في السنوات الماضية والتي لم تستطيع من خلالها تحقيق أي شيء موعود … لتعود اليوم مجدداً بحله ونهج جديد يعتبر أقل حدة من سابقه فعملت على صقل صورتها وخففت من حدة تصريحاتها التي يعتبرها بعض الفرنسيين بالمستفزة مما ساهم في جعل خطابها أكثر اعتدالا وأكثر قبولاً نحو كسب مزيدٍ من الأصوات … وإعطاء دورها للراديكالي اليميني المتطرف اريك زمور ( Eric Zammour ) ليحل عنها بتصريحاته المسمومة والتي لا تمثل الا سياسة الحقد والكراهية والتخلف في التعامل مع شريحة أساسية وكبيرة داخل المجتمع الفرنسي ففي الأيام الأولى من حملته كان يمثل رقماً ليس سهلاً في معايير استطلاعات الرأي الا ان تصريحاته الأخيره أحالت دون قبوله عند أغلب الفرنسيين … وابرز ما صرح به إنه “معجب” بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين وجدد دعوته لخروج فرنسا من حلف الشمال الأطلسي وضرورة التضييق على المهاجرين والأجانب ورفضه لكل خطاب يعادي العنصرية والمثلية … فكل ذلك وغيرها من التصريحات الغير مسؤولة أدت لتراجع شعبيته في أخر استطلاعات الرأي ويراه جزء كبير من الفرنسيين انه من غير الممكن أن تمثل هكذا شخصية فرنسا إطلاقاً .
كما ان تحذير موقع صحيفة ( إنفو ميغرانت ) جاء في وقت سابق ويحمل في طياته مجموعة رسائل حذرت من خطر التصويت لمرشحي اليمين المتطرف لما يحملوه في جعبتهم من مجموعه قرارات وتوصيات والتي سيتم العمل عليها في حال فوز أحد مرشحيهم الثلاثة والتي تضمنت الآتي كما نصت عليه الصحيفة :
1- إلغاء المساعدات الصحية العمومية المقدّمة للرعايا الأجانب المقيمين بطريقة غير قانونية في التراب الفرنسي.
2- إلغاء حقّ منح الجنسية الفرنسية للمولودين على التراب الفرنسي لوالدين أجنبيين، عند بلوغهم 18 سنة.
3- عدم السماح للمهاجرين المقيمين في فرنسا بالاستفادة من إجراء “لمّ الشمل”، باستقبال أفراد أسرهم المقيمين خارج البلاد.
4- فرض قيود على تنقّل الأجانب بين دول فضاء شنغن.
5- طرد المزيد من المهاجرين من فرنسا.
كل ذلك وغيره أوجب على المجتمع الفرنسي أن يتحمل المسؤولية الكاملة في إنتخاب من يعمل على توحيد المجتمع وزيادة تماسكه ورفض أي تمزيق لمكوناته ورفض رفضاً قاطعاً كل من يستظل تحت سقف العنصرية والكراهية اللامحدودة في العرق والدين والانتماء … فحرية الأديان وتنوع المجتمعات وتعدد أطيافهم وألوانهم كفلها الدستور وعززتها مباديء الجمهورية الفرنسية وعلى الشعب أن يحافظ عليها وأن لا يضع تحديد مصيره بيد من ترسخت العنصرية في مبادئه وقيمه وأفكار نهجه السياسي .
فالاوطان تبنى باحتواء وقبول الجميع تحت مظلة العدل والمساواة والحرية والأخوة التي رسختها قيم ومباديء الثورة الفرنسية بعد تخلصها من حقب العصور المظلمة التي أنهكت شعبها وتسببت بظلم وتمزيق نسيجها الاجتماعي في حقبة ماضية من الزمن … فهل سيكون الشعب على درجة عالية من اليقظة والحذر من أن يقع في فخ مرشحي اليمين المتطرف ؟ أم سيحسن إختيار ممثليه بعيداً عن الفاشية والعنصرية المقيتة التي أصبحت من صفات وعادات العصور المتخلفه والمتراجعه . فلننتظر قليلاً ولنرى ما ستكشفه لنا الأيام القليلة القادمة .