د. محـمد وليد صالح
اكاديمي وكاتب عراقي
على المستوى العالمي تعد منصة للحوار الديمقراطي في المجتمعات، بواسطة قدرتها في الوصول إلى جمهور واسع وتشكيل تجربة المجتمع في التنوع، وايجاد ساحة للجميع للتعبير عن آرائهم وتمثيلهم وإسماع صوتهم عبر مؤسسات وعمليات تقديم برامج ووجهات نظر ومحتوى غير هجين يتسم بالمسؤولية الاجتماعية، من اجل بناء ثقافة الجمهور ووعيه.
ومع الاحتفاء بذكرى مرور قرن على تأسيس الإذاعة تماشياً مع يوم الثالث عشر من شهر شباط فبراير، الذي أنشئت فيه إذاعة الأمم المتحدة في عام 1946، التي اصبحت تجسد للثقة من طريق مسارات متعددة في الصحافة الإذاعية، وسهولة الوصول واستمرارية البث عبر المحطات الإذاعية المحلية والإقليمية والدولية، وفي هذا المجال اطلقت منظمة الأمم المتحدة شعار (الإذاعة والثقة) لليوم الدولي في هذا العام 2022.
إذ تشير احصاءات المنظمة الأممية للتربية والعلم والثقافة يونسكو إلى ان مستمعي الإذاعة تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون ومستعملي الهواتف الذكية، الأمر الذي يدفع بتغير بوصلة اتجاهات الجمهور نحو هذه الوسيلة للسمات التي تشملها، وعلى الرغم من وجود محطات إذاعية في البلدان النامية بينما نصف سكان العالم تقريباً ثلاثة مليارات شخص لا يزالون غير قادرين على الاتصال بشبكة المعلومات العالمية، فالإذاعة كوسيلة إعلامية تواصل مسيرة البث السمعي الرقمي بوصفها واحدة من أكثر الوسائط الموثوقة والأكثر استعمالاً من الجمهور، بهدف تقديم التقانة الساتلية بديلاً عن البث الإذاعي الأرضي لتوفير قنوات إذاعية عالية الدقة والوضوح بعد التعديل الترددي، وتمتع المستمع بصوت رقمي لا يخضع للخفوت أينما كان في البلد.
إذاعة متجددة لعالم متجدد
تعد هذه الوسيلة أداة فعّالة للاحتفاء بالحياة الإنسانية على تنوعها ولنشر الخطاب الديمقراطي، وتملك القدرة الفريدة على الوصول إلى عدد كبير جداً من الناس، فهي تستطيع ان ترسم معالم حياة المجتمعات وتوفير ساحة للنقاش تتيح للجميع إمكانية التعبير عن آرائهم وتمثيلهم والإصغاء إليهم، فمؤسسات البث العام والخاص سواء كانت دولية أم محلية لابد ان تلتزم بتعزيز الاتصال والتواصل بين المجتمعات المختلفة بهدف ترسيخ التفاهم المتبادل فيما بينها، من طريق تعزيز تدفق الأفكار الحر، فضلاً عن حرص اليونسكو على استمرارية تطور الإذاعة والحفاظ عليها حرة ومستقلة ومتعددة الثقافات، لتشجيع إشراك أصوات متنوعة في النقاش للقضايا العامة والانتفاع من المعلومات والمعارف.
البث الأول لهذه الوسيلة الإعلامية منذ قبل ما يزيد عن مائة عام، جعلها مصدر معلومات رئيسة لتعبئة التغيير الاجتماعي ونقطة مركزية لحياة المجتمع، ومن بين وسائط الاتصال التي تصل إلى الجمهور وتغذيه بالمعلومات والبيانات على أوسع نطاق في العالم، ولاسيما في عصر التقانات الرقمية الجديدة، فهي تتسم بقوتها واتاحتها لجميع أفراد المجتمع.
التطور.. الابتكار.. الربط
وقد بدأت تكنولوجيا الإذاعة بصيغة (البرق اللاسلكي) وهذا الأمر يعود إلى اختراع تكنولوجيتي الهاتف والبرق، منذ بداية القرن العشرين وتحقيق أولى البرامج الإذاعية الناجعة، الذي تزامن مع مجيء التكنولوجيات الجديدة وتلاقيها بوسائط الاتصال المختلفة، ظهر مسار التحوّل الإذاعي والانتقال إلى منصات بث جديدة، عبر الإنترنت ذات النطاق العريض والهواتف الذكية أو الخلوية المحمولة والصفائح الرقمية، التي تبقي الإذاعة ملائمة في العصر الرقمي لتواصل الناس الدائم بواسطة الحواسيب والإقمار الصناعية ووسائط الاتصال المتحركة.
وتأتي موائمة الإذاعة بشكل خاص لوصولها إلى الجماعات المحلية النائية والمهمشة، وعرضها على هذه الجماعات منصات إعلام لتبادل الأخبار وتأكيد الحوار المشترك، لأداء دور هام في معالجة حالات الطوارئ والأزمات والتخفيف من حدتها، من طريق توسيع الوصول وتسريعه إلى مصادر المعلومات الصحفية وتجنب حالة التجهيل لها والمعارف الدقيقة والواضحة، من اجل تشجيع الاحترام المتبادل وترسيخ حوار الثقافات والتفاهم فيما بينها.
وفي يومها العالمي نركز الاهتمام بمكانة الإذاعة بوصفها أحد الوسائط الأساسية الاتصال في المشهد الإعلامي المحلي والعالمي والتعاون الدولي بين الإذاعات المختلفة في العالم لنقل الصوت عبر الأثير وجعله مكملاً للصورة في أذهان الناس وتشكيل الرأي العام إزاء الأحداث الجارية.