د. محـمد وليد صالح
عن تغيرات اجتماعية سياسية اقتصادية غربيةتمخضت نشأة المفهوم الإعلامي والاتصالي، مما منح تفسير مفرزات الظاهرة الاتصالية الرقمية على الرغم من اختلاف الخصوصيات الثقافية في اطار الفكر المعولم الافتراضي.
وفي دراسات نظرية الاتصال المدمجة ترى ان الوسائط المكتوبة والسمعية والبصرية عملت على ادارة الانطباعات المترسخة في أذهان الجمهور وتصوراته وأحاسيسه وتفاعلاته وتأملاته، من طريق العلامات والصور والايقونات المتهيكلة في عالم رمزي وهذا الفضاء الذي تعد اللغة أحد أهم روافده التي رسمها الدكتور عبدالرحمن عزي، اما المفكر غريماس فيرى بان وحدات المعنى تتمظهر في عملية الادراك وان الاتصال يجمع شروط هذا التمظهر اثناء الفعل الاتصالي يلتقي المدلول بالدال في الحدث الاتصالي.
إذ ان الثقافة ناتج إنساني بوصفها ظاهرة العلاقات الاجتماعية وهي مرتبطة بالواقع المعاش في زمان معين ومكان محدد، المعتمد على التقارب بين الثقافة كعالم معنوي ووسائط الاتصال كعالم رمزي، يتوسطهما عالم مادي الذي تتمظهر فيه عملية تملجئ الفرد من عالمه المجسد الواقعي إلى الفضاء الرمزي، فضلاً عن سمات الانتقاء والتعدد في عصر السمعي البصري، وثم في ظل مجتمع المعلومات، حيث المحتويات المتداخلة العابرة للحدود الجغرافية لتعزيز فرضية النظر إلى الذات والمجتمع من زاوية خارجية، فالمتلقي ينتهج سيرورة ادراكية انطباعية بناءً على نظرة تمايزية بين الخصوصية الثقافية والثقافات الأخرى.
توسيع شبكي للوعي العالمي
وتسهم ايضاً في توسيع شبكي للوعي العالمي على حساب الخصوصيات المحلية، بواسطة تفسير مقاربة تضييق المحيط التي أشارت إلى ان وسائط الاتصال تؤدي دوراً سالباً بطريقة غير مقصودة في المجتمع الغني بالعادات والتقاليد والتفاعل الاجتماعي، فهي تبعد الأفراد بعضهم عن بعض لخلق الانعزال الاجتماعي والثقافي.
ان التكيف الخطابي الرشيد المستوعب لهذه المستجدات التحليلية في قراءة الوقائع الدولية لتحسين اختيار موقعه ولا يرجّ به خطاب الفوضى، يستلزم تقانات ادارة الخطاب بنمطيه الداخلي والخارجي الدولي منها تحديد الأهداف في اطار تخطيط زمني، وكذلك منهجية تسويق الخطاب من حيث المعرفة بطبيعة الجمهور المستهدف وتوزيعه الاقليمي، وردود أفعال الجمهور أثر عملية التلقي وبعدها لقياس فاعلية التشفير الخطابي والعمل على بناء أنساق فكرية مشتركة.
التدفقات الإعلامية الجديدة ورسائلها المرمزة بتشفيرات ايديولوجيَّة
في ظل الفواعل الدولية المتعددة لسياق ما بعد الحداثة تظهر مقاربة الباحثة صبرينة محمد بلقاسم عن النمذجة الاتصالية الحضارية الوسطية، لمحاكات النماذج الاجتماعية الطبيعية منها والبشرية المستمدة من عمق شعور تجاوز بعض المتطلبات الشخصية للأنا الفردي من اجل تحريك معيارية الأنا الجمعي، وقد افرزت التدفقات الإعلامية الجديدة رسائل مرمزة بتشفيرات ايديولوجية تعتمد في ستراتيجيتها الإقناعية اتصالياً على منهجية تسويقية مما بلور على مستوى الفضاء الاتصالي الدولي الرقمي، ظاهرة صراع النماذج على الطلائعية العالمية بشكل يستهدف الشخصية كتكوين نفسوعقلاني وجسدي، والتعابير والإيماءات والتصورات والمفاهيم أي أسلوب للحياة بنمطية تفكيرية خاصة، عن منطق فهم الأطر الكبرى (الدين والحياة والمجتمع والثقافة).
ان استهلاك انماط الشخصية المسوّقة عالمياً التي تراوحت في درجتها بين النجومية والطريق إليها عبر المحاولات الاستباقية في المجتمعات العربية، ظهرت اشكالية اجتماعية ثقافية ذات ابعاد نفسية في تردداتها الانعكاسية، التي تتراوح بين درجة القلق المرضي كعرض اضطرابي لعدم التوافق والانسجام مع الواقع، فضلاً عن استعارة البدائل في اشباع هذه الحاجة ميلاً إلى نوع من العلاج المرهمي الذي يحول دون تحقيق الفائدة المرجوة، فالتكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال قد تقدم من ناحية عرض المحتويات أو المضامين التسويقية في المجالات شتى، وكذلك إقناع الأطراف المشتركة في الفضاء التواصلي الرقمي على انتقاء خيارات النمذجة الرقمية العالمية، للحد من واقع الثقافة الهجينة.
*اكاديمي وكاتب عراقي