د. نبراس المعموري
واجهت دراسات النوع الاجتماعي والمرأة في المنطقة العربية حتى منتصف القرن العشرين تحديات كبيرة تمثلت بطبيعة المجتمعات العربية القائمة على اساس التمييز وحركات التحرر والاستقلال التي كانت الشاغل الاكبر في تلك المرحلة، وعلى الرغم من كل ذلك الا ان الناشطات النسويات وجهن حينها دعوات إضفاء الطابع المؤسسي على دراسات المرأة في الجامعات العربية، خلال مؤتمر المرأة العربية في القاهرة عام 1944، ومطالبتهن لتخصيص كراس لدراسة النوع الاجتماعي، وفيما بعد ساعد تأسيس دورية Gender Society عام 1986، لان تكون دراسات المرأة حاضرة و بقوة في العديد من الجامعات والكليات في جميع أنحاء العالم .
وهذا كان عامل مساعد لاستمرار الدعوات التي واكبت النضال النسوي العربي عبر مراحل متعددة، على التوسع في دراسات المرأة و الجندر ، حيث تعددت المقررات التعليمية والأبحاث الأكاديمية في المنطقة، وكانت البداية في فلسطين من خلال برنامج دراسات المرأة عام 1994 ، ثم تحول البرنامج عام 1988 إلى معهد يمنح درجة الماجستير في تخصص النوع الاجتماعي والتنمية ، وبدءا من عام 2014 أصبح أول معهد يقدم برنامج على مستوى البكالوريوس في دراسات المرأة، وعلى اثر هذه التجربة الاولى عربيا ؛ قامت جامعات عربية عدة بطرح برامج مختلفة تقدم دبلومات وبرامج ماجستير حول دراسات المرأة و النوع الاجتماعي، وهذا عكس فكرة متفائلة عن بعض الجامعات العربية، ومدى اهتمامها بقضايا المرأة وتطويرها اكاديميا وعلميا .
وعلى الرغم من أهمية المحتوى العلمي الذي تقدمه المؤسسات الاكاديمية العربية حول دراسات المرأة و النوع الاجتماعي، الا انها ظلت تواجه تحديات تمثلت بطبيعة البيئات الاجتماعية والسياسية السلبية، ومحدودية الموارد، وعدم المساواة على صعيد المؤسسة او التطوير والتدريب ، والاضطرابات الامنية في بعض الدول، اضافة الى حاجة هذه الدراسات إلى مزيد من الدعم والتطوير على الصعيد الكمي والموضوعي، بعد ان ادى هشاشة بعض المراكز البحثية المنشأة الى انتاج ابحاث تتناول المرأة و الجندر، تكون مقبولة من قبل الحكومات وبعض الجهات النافذة والمسيطرة فيها، مثل حقوق المرأة في الدين، أو تأثير أفكار التنوير على دور المرأة في المجال العام، أو عبر التركيز على دور النساء في برامج الحماية الاجتماعية، او الامتناع عن تدريس الحركات النسوية محلياً وعدم الاهتمام بها كما تستحق، و الاكتفاء بتدريس نماذجها في الغرب أو في مناطق جنوب شرق آسيا .
ان تطوير المراكز البحثية العربية المعنية بدراسات النوع الاجتماعي بعد تشخيص مواطن القوة والضعف و بما ينسجم واحتياجات المرأة عبر مراحل متعددة خاصة في الدول العربية التي تشهد تحولات سياسية واجتماعية، سيساعد على تقديم توصيف علمي رصين عن واقع ومشكلات المرأة العربية وكذلك تقديم الحلول العلمية، عبر بحوث ودراسات اكاديمية رصينة تعكس نوعية الجهد البحثي المنتج سواء من قبل النساء او الرجال، كما سيجعل من الجامعات العربية مراكز فكر تقدم الاستشارة العلمية لصانعي القرار في المنطقة لتحسين واقع المرأة في ضوء أولوياتها واحتياجاتها، لاسيما فيما يتعلق بأوضاع المرأة ضحية النزاعات المسلحة والنساء (اللاجئات والنازحات)، والمهمشات في الريف والمناطق العشوائية وغير الحضرية والنساء ضحايا الإرهاب والتطرف، وكذلك القضايا المتعلقة بواقع المرأة محليا في ضوء خصوصية كل دولة عربية، فضلا عن القضية الكبرى؛ قضية الإصلاح الثقافي والمجتمعي ونبذ الخطاب الديني التمييزي.