عدنان أبوزيد
اخترقت الكثير من الأيديولوجيات، الحواجز الجغرافية والعقائدية، وتحرّكت من مواطنها الأصلية، الى شعوب أخرى تبنّتها، وساهمت في انتشارها، أكثر من مدائنها الأم، في دلالة على اقتدار الأفكار على السريان والتأثير، أكثر حتى من العادات والتقاليد والعقائد الراسخة في الأصل، في المجتمعات.
وانعتاق الأيديولوجيات الى مفاهيم كونية، يعني غياب التعصّب، والانفتاح الثقافي، وسعي الشعوب الى الحقيقة، مهما كان مصدرها، على الرغم من ان الكثير من الأيديولوجيات، مرقَت عبر نوافذ زجاج يشوّه الرؤية، الأمر الذي جعلها ضحية الغموض وسوء الفهم.
غرست الماركسية بذورها في المانيا على يد كارل ماركس وفريدريك أنغلز، وتفتّحت في دول كثيرة بعيدة عن الموطن الأم، في روسيا والصين، وكوبا وكوريا ودول أخرى حالمة بثورة عالمية يفجرها الكادحون، كما اجتاحت الشيوعية حتى بلاد المسلمين المعروفين بتشبثهم بعقائدهم الروحية.
وانتقل الإرث الكفاحي للشيوعيين من كومونة باريس وموسكو، العام 1917 الى الصين بقيادة ماو تسي تونغ ( 1893–1976 ) الذي طور الماركسية اللينينية، وأنتشت أشجار نظريته في النيبال والهند والفلبين والبيرو، والمغرب العربي، وتركيا التي اعدمت الرمز الماوي ابراهيم كايباكيا.
ولاحقا، اجتاح الفكر الماوي حتى معقل الرأسمالية في العقود القريبة الماضية، فتأسّس الفكر الماركسي الماوي العام 1983، في جامعة هارفرد، متبنّيا الحرب الشعبية كوسيلة لتحقيق الحلم الشيوعي.
وفي الدول العربية، ترعرعت أحزاب تتبنّى الأيديولوجية الرأسمالية، وحاولت تقليد تجربة الدول الغربية، ثم أدركت ضرورة ان يكون لها مناهج على هدي خصوصيات شعوبها.
وفي العالم الثالث، أتاح إرث الاستعمار والنضال ضد الإمبريالية، المجال لاستيراد ايديولوجيات جديدة، بدت دخيلة على الناس.
ومع ظهور الحركة النازية في أوربا سنة (1919)، انقلبت المشاعر والأهواء القومية الى أيديولوجيات سياسية، هيمنت على التيارات السياسية في بلاد العرب، كما ألهمت العسكر، انقلابات وصناعة زعامات على شاكلة الزعيم الألماني أدولف هتلر، مثل ثورة العسكر في مصر العام 1952 ، وفي الجزائر وسوريا، وسعى السياسي العراقي رشيد علي الكيلاني مع عدد من الضباط الى الانقلاب على نظام بلاده في أبريل 1941، منفعلا مع المفاهيم القومية الألمانية.
وضرب الفكر الرأسمالي جذروه بعيدا عن مواطنه الأصلية في أوربا، فاجتاح بنظامه الاقتصادي اغلب دول العالم، وبسطت الرأسماليّة الماليّة هيمنتها، وصارت هي صاحبة القرار في الاقتصاد العالمي، فيما تكال لها الاتهامات بان أيديولوجيتها انتشرت عبر احتلال الشعوب، لكن يجب الاعتراف بانها نجحت في السطوة، أكثر من اية أيديولوجية أخرى.
وفي جانب انتشار العقائد الدينية، كانت المسيحية منذ ولادتها في فلسطين، الأكثر عبورا بين الشعوب في الألفية الماضية، فيما يشكّل الإسلام الذي خرج من عمق الصحراء العربية، واحدا من اكثر الأيديولوجيات الدينية التي تجذب اليها الشعوب الاخرى.
كل هذه الاختبارات الفكرية، أحدثت زعامات كونية، ومرجعيات، لها أتباع في كل الأمم، حيث تلائمها الشعوب على مزاجاتها وتأقلماتها الاجتماعية، وإرثها الثقافي، بعيدا عن العصبيّة.