العقائد والشعارات تبقى مجرد تنظيرات حتى يهضمها شعب ويفرضها زعيم بغداد

عدنان أبوزيد

يُكتَبُ الكثيرُ عن الحاجة الى عدالة ومُثُل زعماء وقادة روحيين أجلاّء تاريخيين، لكن ذلك وحده لن يكفي، لأن استلهام سيرة وقِيم أولئك العظماء الخيّرين، يستوجب استيعاب أخلاقهم، والانقياد الى هديهم، والعمل على إنفاذ مبادئهم، لا الادّعاء، فاذا فعلنا ذلك، وجّهونا على رغم غيابهم، الى إحداث التغييرات التي نتوق الى التأسيس لها.

ألمحُ أعدادا هائلة من الحِكم والمقولات، والوعظيات، في التواصل الاجتماعي، والميدان العملي، وهي ملهمِة للبعض في حدود التنظير والبهرجة الكلامية، والافتراض بالسير على هديها، لكن ذلك لا يتّصل بالتطبيق.

تُصاغ العبارات البلاغية، ويُعتنى كثيرا بالاقتباسات وصياغات الخطب، ونصوص الوعظ، فيما تنحسر الإرادة الحقيقية و البراعة في تحويلها الى صناعة محسوسة.

يقول نابليون بونابرت انّ “الزعيم هو تاجر في الأمل”، في وصف صميمي، لأولئك الذين يغامرون في تحقيق الأحلام، ولا يتوقّف فعلهم عند الزعْم الذي هو سمة أصحاب الأصوات العالية، والطبول الصاخبة.

نهضت سنغافورة على مدار 50 عاما من الصفر تقريبا، بفضل الدولة التي وجّهت سلوكيات المواطنين، لتكون صدى للقيم والشعارات المرفوعة.

تقول الصحافية ساره كيتينغ، ان هواء السوق في سنغافورة كان ملوثا بروائح حساء النودلز، ولحم الخنزير المشوي وصلصة الساتاي، والقاذورات في المطاعم، رغم الشعارات الكثيرة على الحيطان عن النظافة، ولم يكن ذلك كافيا، حتى نجح المواطنون في تنفيذ الأخلاقيات والشعارات، كسلوكيات.

بيل جيتس الذي يحتل قائمة أفضل 10 قادة أعمال في الولايات المتحدة، هو الرئيس الاستبدادي الذي لا يجامل في تحويل تعليمات العمل النظرية الى واقع، وممارسة، معتبرا انّ المثاليات التنظيرية الفردية تعطّل الابداع. مارتن لوثر كينج، كان قائدا خادِما، ومعلما ينظّر، ومدربا يطبّق، وقد أسّس لأسلوب قيادة فريد، حوّل شعارات السود الى أنشطة يومية، غيّرت أوضاعهم في الولايات المتحدة. ونستون تشرشل، الأسد الذي يزأر من أجل الإمبراطورية، كان يشجّع الإنكليز على الإنتاج، لا الانشغال بالطوباويات النظرية، والكتب.

الأمم الحضارية عزّزت الفردانية القوية التي تنجذب الى الجماعية، وتحوّلت النموذجيات الأخلاقية، المتفرقة بحسب اختلاف الأشخاص الى قيم تشاركية تؤمن بها الأمة، ولم يتحقق ذلك الا بالسلطة القوية، التي تعالج المشاكل الوطنية بسرعة، منعا لليأس الذي إذا ما حلّ بأمة، دفنها في التأريخ.

في العصر الحديث، تنصهر الأخلاق الخاصة بالنسخة المثالية للأمة، التي ترسم قيم التعايش، وفي الكثير من الحالات فان المبادئ النظرية، الملتصقة بالشخص، هي ليست القيم ذاتها المتعلقة بالهوية الوطنية الواقعية، ما يشكّل معضلة اجتماعية لها نتائج كارثيًة على مستقبل الشعب، بسبب فقدان القدرة على تطويع الافراد في أفكارهم الفردانية مع المشروع التنفيذي الشمولي الذي تسعى اليه الشعوب.

الزعامات القوية التي قادت النجاحات في الأمم، هي تلك التي صنعت الأفراد الأقوياء القادرين على هضم الاعتبارات العقائدية الافتراضية، وتحويلها الى محصّلات واقعية، ومن دون ذلك تبقى العقائد والشعارات، مجرد تنظيرات، لا طائل من وراءها.

شاهد أيضاً

(الاولاد تحت رحلة التكنلوجيا الحديثة)

نورا النعيمي التكنولوجيا الحديثة لها تأثير كبير على الأطفال، سواء كان ذلك إيجابياً أو سلبياً. …

error: Content is protected !!