حاورته / دنيا علي الحسني / العراق
مجلة صوتها تلتقي الفنان الجزائري عبد الإله بو بشير
فنان تشكيلي يسبر أغوار الفن من خلال رموز تحاكي الوجدان بلغة التراث الإسلامي وبعين المعاصرين للفن التشكيلي، حيث شق غبار الزمن ليصل إلى غايات الفن والجمال بلوحاته المميزة في رسم الطبيعة والعمارة الإسلامية، وتوظيف الوحدات الزخرفية،على نمط الذي تركه أجدادنا من مختلف الحضارات، والتأثير الكبير للعمران الأندلسي وهو من أهم مصادر الإلهام لإثراء لوحاته بألوان غاية في جمالية التشكيل .
وتأثير الظلال والأنوار في المغرب العربي التي جعلت منه فنان يرسم رواية عشق في التراث الإسلامي فهو يتغزل بلوحاته كما يتغزل العاشق بمعشوقته، ويهتم بأدق التفاصيل من أجل إضافة الأبداع والجمال لأعماله، في التنقل بين الألوان والكلمات لينسج لنا نصوصاً إبداعية ولوحات مثيرة تترجم رهافة الحس والذوق الفني وهو يعيد صياغة التراث الإسلامي بنسق جمالي، بحيث يجعلنا قادرين على قراءته بشكل خلاق، إنه فنان شامل متعدد المواهب دخلنا إلى عالمه الفني والإنساني وتهنا في مرسمه بين نتاجاته وحصلنا منه على هذه الإجابات إنه الفنان التشكيلي الشاب الجزائري عبد الإله بو بشير الذي كان لمجلة صوتها هذا الحوار معه.
*من أين اتيت بجماليات هذا التشكيل حدثنا عن قصة مشوارك الفني ؟
– قد يبدو الأمر للوهلة الاولى لما تمسك الريشة أو القلم مجرد خربشات في حلم لكن كل القصة تكمن هناك، و تنتهي بالخاتمة عندما تستيقظ حيث يزهر ذلك الفن و تصبح لوحة تشع بالجمال،
و الحقيقة ما جعل روحي تنساق وراء كل جميل باللون، هو هذا الذي سأسرد لكِ القصة منذ صغري كبرت في بيئة ريفية مليئة بعجائب خلق الله، من طبيعة خلابة و جو خصب سمح لي بتغذية بصرية ، تمثلت في كنز من الألوان و الأشياء، كانت الشرارة الاولى لتنمية ذلك الخيال، حيث تربيت أيضاً بين الكتب الفنية والأعمال الرائعة لخالي ، كل هذة المشاهد صنعت بمخيلتي كل خط و لون، فكانت الدهشة الكبرى عند دخول عالم مدرسة الفنون الجميلة و من هناك كانت الانطلاقة الفعلية في هذا الميدان .
* خلال مشاهدتي للعديد من لوحاتك التشكيلية لمست فيها بصمة وبعداً إنسانياً من خلال العديد من الرموز و الايحاءات التي استعملتها في لوحاتك هي مستلهمة من الذاكرة الإنسانية المشتركة بين تراث العمارة الإسلامي والطبيعة كيف أستطعت التوفيق بين هذه الرموز في لوحاتك ذات البعد الإنساني التراثي ؟
– كل ذلك مستلهم من ميولي إلى التاريخ، وحب استطلاع ماضي الأجداد الذين تركوا الحضارة خلفهم، و هو الذي قادني إلى التفكير في رد الإعتبار لهذه العمارة المليئة بالأسرار ، و أتخذت على عاتقي مسؤولية تبيان اثارهم المفقودة، و بالحديث عن التراث الإنساني و جدت نفسي في عالم الطبيعة التي لا تزال تثير عواطف كل كاتب و شاعر و فنان، فدمجت ذلك برسم الطبيعة التي تربى فيها كل إنسان، و أتأمل فيها كل عجيب من عجائب خلق الله، كنت دائما أرددها في كل مناسبة ، ما يثير دهشتي وإثارة ريشتي هي عجائب خلق الله في الطبيعة و إبداع المخلوق في بصمة الحضارة.
*ماذا تجسده في التعبير عن الثقافة الجزائرية بشقيها التراث المادي والمعنوي ؟
– أحاول تبيان كل مكنون من تراث الجزائر بشقيه، أنا أبحث عن سر الأسرار الذي جعل من الموروث ماضيًا في طريقه إلى المستقبل، و الصدق كله في قول أحدهم ” لا مستقبل بدون تاريخ” لوحاتي تظهر تلك الجدران التي ترمز للذاكرة الجماعية في شكل ضربات للريشة و الالوان،والطبيعة التي تربى في حضنها الإنسان عليه العودة إليها سريعاً ، و أن لا ينغمس في ملذات الحياة الصناعية.
* تجربتك في قراءة اللوحات بالفن التشكيلي تعتبر من التجارب النقدية في الوطن العربي من خلال عدد من المقالات التي قمت بنشرها لماذا اتجهت في هذا الاتجاه ؟
– كان تثير فضولي تلك الثقافات الغريبة و الرموز السرية لسبر اغوارها و تقديمها بصورة بسيطة واضحة للمتلقي و هو الجمهور، فقد قدمت قراءات في لوحات عالمية أمثال بابلو بيكاسو و فان جوخ، و قدمت تلك الاوراق و نشرت في مجلات ثقافي معروفة،الذي كنت أحاول إيصاله في خطاباتي هو إعطاء الفرصة للمتلقي في فهم اللوحات ، وحقه في التعليم أولا ثم الحكم بعد ذلك. و أن لا نواصل اتهاماتنا له بأنه عديم الذوق أو قليل الثقافة، فالفنان دوره تعليمي إرشادي و تربوي، فعجبت له كيف يتخلى عن هذه المسؤولية بكل هذه البساطة!، أيضًا تدهور الوضع الثقافي والتعليمي من المدارس وحتى الجامعات خلق حاجزاً بين الجمهور والعمل الفني، وترك الجمهور مشغولاً عن الثقافة البصرية التي هي جزء مهم من ثقافة عصرنا المعتمد على الصورة بشكل كبير.
*ما الذي يحفزك الى الدخول للمرسم. ؟
– الحافز الأول هو الشغف ، و الإلهام فلست ممن يرتاده في أوقات محددة لأن الإلهام لا يأتي كل فترة، و النفس البشرية متقلبة، أحضر لوحاتي في جو هادئ.
* ماهي المدرسة الفنية التاريخية التي تتبناها تجاه الفن التشكيلي؟ وهل الفن التشكيلي في الجزائر على مايرام. ؟
– أتبنى المدرسة الانطباعية، و التي خلفت إرث لا يستهان به من تحف فنية لا تقدر بثمن، و قد كان لها التأثير الكبيرة على لوحاتي التشكيل في الجزائر بخير ، فقد أخذ الفنانون الشباب من الجيل الثاني مواقف جديدة من بينها عزمهم علي تكوين جماليات تلخص و تجمع ما بين الإرث العربي الإسلامي و الفن التجريدي الأوروبي من بين هؤلاء محمد خدة، و محمد إسياخم، محمد لوعيل و مسلي شكري، الذين قدموا إلي الجزائر المستقلة فنها الجديد، تأكد ذلك بمشاركتهم في تجمعات فنية مثل أوشام أو مدرسة الرمز في ١٩٦٥م والتي دامت أبحاثها و تعابيرها حتى الفترة الأخيرة.
* كيف ترى واقع الفن التشكيلي العربي في دول كانت بالأمس تعتبر منارة للفنون التشكيلية العربية كسوريا والعراق. ؟
– قد لاحظنا في الآونة الأخيرة و نحن لسنا بمعزل عما يدور في هذه الأوطان التي هي جزء من الجسد العربي، فقد قدمت الكثير من الفنانين و العلماء والتراث الإنساني لكن أبداً، لم تفقد العراق و سوريا تاريخهما المشترك، الذي وقف سداً منيعاً في وجه الاعداء ، الفنانون الذي أعرفهم من تلك للبلاد كأمثال ضياء العزاوي، نوري الراوي، هبا العقاد، يبذلون جهداً جباراً في خدمة الفن التشكيلي، وايصاله للعالمية. قبل عقود قال الفنان التشكيلي السوري الراحل فاتح المدرس جملته الشهيرة: ( لم يعد الفن مرحاً)». التجارب الأخيرة للشباب نلمس فيها الخروج عن التقليد، إلى اللمسات الحديثة واعادة صياغة مفهوم الفن التشكيلي.
* لكل فنان رسالة يؤمن بها وقضية يناضل من اجلها بالمناسبة ما رسالتك وما قضيتك التي تؤمن بها. ؟
-قضيتي الهوية ، أنتصر لها في كل موضع و حين، فحين تذبل الهوية، تذبل معها كل القيم، و تضيع في ضياعها القرارات، و يضيع معها النشئ أولا و قبل كل شيء لا أرضى ضياع التراث أمام عيني، فهو القيمة النادرة التي جوهرها الماضي و الحاضر و المستقبل من خلال أعمالي ، أريد إبراز القيمة الحقيقية للتراث في أوجهه المتعددة، خصوصا الجانب العمراني.
* ما هي روايات كتاب المجموعة الفنية ، (عبور ) أذكر بعض التفاصيل في سياق التعريف عنها؟
-عبور جاءت تقريراً لما بين أيدينا من إرث غني، و تعريفا لهذا الجوهر، هي مجموعة فنية تحتوي على لوحات و نصوص من تأليفي و المسماة ” عبور” أسلط فيها الضوء على النوافذ و الأبواب و السبل، لقد كانت الممرات و الأبواب دوماً و أبداً حصناً منيعاً و سداً في وجه الغرباء و الأعداء.لم تكن فقط للولوج و الخروج و السير بل كانت رمزاً، على كثير من الحوادث و المشاعر ولهذا وقع الاختيار عليها كموضوع مناسب لنعيد تذكير الناس برمزيتها العظيمة و الجسر الذي يربط الماضي بالمستقبل، من خلال رسومات و تعبيرات تدل على صلابتها وثباتها عبر الزمان، من خلال هذه الصفحات سنحاول الغوص بكم في رحاب رحلة العبور لنروي لكم قصص الأبواب و الممرات بكل تلك الآفاق التي تروي قصصا نستنطقها من خلال هذه الرسومات و النصوص بكل بساطة نريد أن نسترجع قليلا من شموخها.
* هل قمت بالمشاركة في مهرجانات ومعارض دولية. ؟
-قمت بالمشاركة في عدة محافل دولية، أخرها كان معرض “لوس اوخوس ديل موندو” افتراضي من تنظيم جاليريا مونديال ديل ارت من دولة غواتيمالا، بحيث كنت المشارك العربي الوحيد، كما كان من نصيبي شهادة جينيس للأرقام القياسية بالمملكة العربية السعودية، كمشارك في أكبر حشد عمل تطبيقات لتسهيل مهمة الحجاج في موسم الحج ، كان لي نصيب ايضاً
في بيع لوحات لجهات خاصة من عدة دول.
* ختاما ماهي الكلمة التي توجهها للعالم، للوطن، للاصدقاء في زمن كورونا. ؟
– كونوا أوفياء للفن و أصحاب هوية حاربوا لأن تكون رسالتكم لها أثر لا تتركوا الجمهور ضائع دون تعليم لمبادئ الفن، و من ثم تلومونه على قلة ثقافته؟؟!. الفنان في زمن كورونا بذل جهداً في أعماله و جرب منصات جديدة لعرضها، كما أردت الإفصاح عن مشروع بودكاست تحت عنوان” صوت الفنان”، هو عبارة عن برنامج حواري يلقي الضوء على فنانين من أنحاء العالم، وأغتنم الفرصة لتهنئة الأستاذ الفنان القدير بشير يلس على بلوغه مئة سنة بارك الله في عمره .