د. نبراس المعموري
” ان الشخص الذي يفكر باستمرار في الجانب المظلم من حياته ويعيش تجارب الماضي السيئة وخيباته هو في الواقع شخص يتوسل لحصول ظروف وخيبات مشابهة في المستقبل ”
يشعر الكثير من الناس انهم ضحايا لاحداث ماضية مثل تربيتهم من قبل اب عنيف او عائلة سلبية ، ولو راجعنا جيدا كثير من العوائل سنجد انهم يتشابهون في انهم فشلوا في ان يكونوا اسرة مثالية ، فالذكريات خيط فاصل في ان نعيش بسلام او العكس وان نبقى حبيسي الذكريات المؤلمة معضلة يواجهها اغلب الناس ، فكيف الحال بمن يرأس امة وهو بداخله مرهون لماض قذر ؟
سؤال يبعث معه الحيرة في كيفية ان يحكم مريض الماضي امة باكملها ، الضغائن تفرز الكره والحقد ، تولد معها احساس الانتقام ، اتذكر مرة وانا امر مع مجموعة من الزملاء قرب احد المنتزهات التي اصر القائم عليها بان يظهرها باجمل مايكون فاهتم بزرعها والعابها وحتى الوانها حينها علق احد الزملاء “لوكان ابني هنا لكسر الالعاب ورحل ” حكاية تدعونا للتفكير كيف للاب ان ينطق مثل هذا الكلام ان لم يكن هو اصلا مريض والمصيبة ان من تفوه به من حُسب على الطبقة المثقفة! الحقد على الاشياء الجميلة لاينتج عنه سوى الدمار ولعل لحكاية زميلنا برهان امثل على قذارة الماضي .
لنا مقولة للامام علي عليه السلام اعتدنا على الاستشهاد بها اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت .. والشبع هنا لايقف عند الطعام والمال بل يصل الى اكتفاء الافراد من الحنان والاستقرار والطمانينة .. فمن اكتفى بصغره عاش سليما معافى من امراض يتركها الماضي بحقده الجائع .
فتحت الستارة اليوم على قاذورات طفولة الماضي المريض و التي تبقى ملازمة لصاحبها مهما شبع وانعم الله عليه ، غالبا ما نردد علينا بالاطفال فهم بذرة المجتمع الذي سينشا ويكون اجيالا، والمشكلة اليوم ان الطفولة تزداد سوءا وامراضها تستفحل باستفحال موت عيشها السليم ، وان كنا نفكر كيف يكون الزعيم فعلينا ان نفكر بمن سيدير المؤسسة او يستوزر وزارة او يصبح برلمانيا يمثل الشعب حسب العرف العالمي لكن حسب عرفنا المحلي سيمثل ماضيه لا حاضره الرغيد ، تحرير النفس من نماذج الماضي والاعتقادات الاجتماعية تحتاج لقوة اعظم من قوة العالم اجمع فسلخ الماضي ليس بالهين ، ومشكلة اممنا بماضيها وهذه الامم هي من تخلق الزعيم والوزير والمدير ومشكلتهم ايضا انهم من تلك الامة .
ماض قذر حكم علينا ان يحكمنا الطغاة وحاضر متلبس بشيطان الامس يكرر افعاله ونحن ننتظر كائن مختلف قد نحتاج يوما ان نستنسخه ونضع له صفات الفضيلة حتى لاتتكرر الماساة . لدينا كائنات لايحدها شئ ، ليس لها سقف ليس لمواهبها وقدراتها حدود لكن هل تستطيع ان تغير القدر ؟ قدرنا بماضينا وعلينا ان نبحث بماضي زعماؤنا فعليهم ترهن امورنا ومصائرنا .