الدكتورة أيسر عبد الرحمن
عالجت شريعة حمورابي (الذي حكم الإمبراطورية البابلية خلال السنوات1792– 175 ق.م.) عالجت الكثير من الموضوعات الخاصة بالمرأة والزواج والرضاعة والجنس في المواد (127-194)، فكان للمرأة فضلا عن مهام الولادة والتربية والقيام بالأعمال المنزلية كلٌ بحسب واقعها الاجتماعي وظروفها الحضارية (بادية، ريف، مدينة) جملة من الحقوق مثل:
1- كان لها شخصيتها المالية المستقلة فلها أن تمتلك الأموال والعقارات وتتصرف بها كيفما تشاء وكما تريد وتحب وترغب.
2-القيام بأنشطة الصيرفة ومزاولة الأعمال التجارية وإقراض الناس وحرية التصرف بالأملاك.
3-كما مارست النساء البابليات العديد من المهن كالطب والإشراف على الولادة الذي كان يتم بواسطة القابلات اللواتي بلغن حداً كبيراً من إتقان المهنة بدليل ممارسة الولادة القيصرية.
4-ارتقاء المرأة سلم الدراسة والمعرفة فكان من حقها أنْ تتعلم وتصبح كاتبة، أو تدخل المعبد لتصبح كاهنة، فضلاً عن وجود موسيقيات ومعلمات وسياسيات (حاكمات).
5-امتد دور المرأة إلى ميدان الجيش، فقد كان هناك مجندات في صفوف الجيش البابلي، وفي صفوف الخدمة المتنوعة.
6-جميع هذه الحقوق ما كانت المرأة لتتمتع بها لولا امتلاكها الحرية في حركتها وغدوها وارواحها بين الناس في العصر البابلي القديم، فضلاً عن حرية الاجتماع والاختلاط بالرجال في المناسبات الاجتماعية.
عادات وتقاليد البابليين في الزواج والطلاق
لقد اتسم موضوع الزواج عند البابليين بجملة من الأمور، التي من شأنها الحفاظ على كيان الأسرة والحفاظ على حقوق الرجل والمرأة على السواء انتهاءً بما يحفظ للإنسان كرامته ووجوده، ومن جملة هذه الأمور الحقوقية السامية:
1- لا يعدُّ الزواج قانونياً ومشروعاً إلا إذا تم بموجب عقد مكتوب مشهود عليه، وبموافقة الوالدين مع الإعلان الرسمي.
وكذلك الأمر بالنسبة للطلاق، الذي كانت تشرف عليه مؤسسات الدولة آنذاك.
2- يلزم الأب بتقديم المهر اللازم لتزويج أبنائهِ، فعليه أن يقدم الهدايا والتجهيزات الخاصة بزواج بناته، إلى جانب ما يقدمه الزوج.
3- نظام الزواج عندهم (واحدي)، أي الاكتفاء بالزوجة الواحدة فلا يحق للرجل الزواج بامرأة ثانية إلاّ في حالات خاصة ونادرة وتحت ظروف قاهرة نص عليها القانون كأن تكون الزوجة مصابة بمرض لا يمكن شفاؤهُ، أو غير قادرة على الإنجاب، أو إنكارها لزوجها أو التقليل من قيمتهِ أو الخروج على طاعته.
4- تبقى المرأة فوق الشبهات، وإن اتهمها زوجها بما يمس عرضها، شرط أنْ تحلف بأنها لم ترتكب إثماً حفاظاً على سمعتها أما من وشى بها فيعاقب بخضوعه للعبودية أي يصبح رقيقاً عندها، إلى أن تعفو عنه وتحررهُ بعد حين.
5- حق المرأة في طلب الطلاق في حالات معينة، مثل غيبة الزوج المتقطعة، عدم الوفاء بالتزاماتهِ المالية لأعالتها، أو التقليل من قيمة الزوجة، وخروجه من البيت.
6- للمرأة حق ترك الزوج (مفارقة الزوج) إذا كان قاسياً معها دون الطلاق في حالة كونهِ مخلصاً لها فالإخلاص يقلل من غلواء القسوة، لكنه لا يسقط حق المرأة في (الزعل) وترك المنزل بسبب تلك القسوة ودفاعاً عن كرامتها.
7- أما الطلاق، فضلاً عن ما ذكرتهُ سابقاً من ضرورة وجود قانونية وشهود، فإنه كان محدداً بحالات معينة منها ما اشْتُرطَ فيه شرط أن يدفع الرجل لزوجتهِ مبلغاً من المال لإعالتها بخلاف ما هو عليه عند ثبوت الخيانة عليها، فلهُ حق طلاقها بلا مقابل، ومن هذه الحالات التي يسمح فيها للرجل بالطلاق الحالة التي تكون فيها الزوجة عقيماً أو زانية أو غير منسجمة معهُ أو سيئة التدبير للمنزل.
مع ذلك فالثابت في النصوص البابلية والوثائق الأثرية أنّ المرأة كانت تحظى بمنزلة عظيمة وتتمتع بالكثير من الحقوق كما عليها واجبات وأدوار عديدة، تنسجم مع قدراتها، فالمنطلقات العقيدية البابلية تقول بأنَّ المرأة والرجل خُلقا من طينة واحدة في آن واحد؛ فلا سبق في الزمان، ولا تبعية في الإنشاء، ولا سمو في الأصل؛ وزيادة في تقديس المرأة والأم ظنوا بأنّ عملية الخلق تمت بإشراف (مامو) سيدة كل الآلهة بعد أن أخذت قطعة من الطين الممزوج واقتطعت منهُ أربع عشرة قطعة، سبعاً منها على هيئة رجال، والسبع الأخرى على هيئة نساء.
لذا كانت المرأة شريكة الرجل في البناء الأسري والحضاري، تسير معهُ جنباً إلى جنب في مسيرة الحياة الطويلة.
المصادر المعتمدة:
ـ عامر سليمان: جوانب من حضارة العراق القديم، ضمن كتاب (العراق في التاريخ)، تأليف مجموعة، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1983.
ـ سامي سعيد الأحمد: العصر البابلي القديم، ضمن كتاب (العراق في التاريخ)، تأليف مجموعة، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1983.
ـ عبد الله المراغي: الزواج والطلاق في جميع الأديان، دمشق، 1966.
ـ علي حسين الجابري: الحوار الفلسفي بين حضارات الشرق القديمة وحضارة اليونان، دار آفاق عربية، بغداد، 1985.