عدنان أبوزيد
لا يزال المتعصبّون الاشتراكيون والرأسماليون، يرفضون الحقيقة التي تفيد بانّ لا اشتراكية محضة، أو رأسمالية محضة بعد اليوم، وإنّ الدول المتقدمة وصلت الى ذروة الرفاه الاجتماعي، والخدمات، والصناعة والتقدم العلمي، بالتزاوج بين
الاشتراكية والرأسمالية.
يمكن رصد ذلك بوضوح في دول أوربا الغربية مثل هولندا والسويد والمملكة المتحدة وألمانيا، حيث عنوان “الرأسمالي الاشتراكي” لا يوجِب التناقض، وأصبحت نتائجه ناجزة، وثماره يانعة.
في العملاق الرأسمالي، أمريكا، هناك الديمقراطيون الاشتراكيون، وزعيمهم الرمزي أوباما، المعادون للرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب النزعة الرأسمالية الخالصة.
المثير في أوربا وامريكا وحتى الصين، أولئك الرأسماليون الجدد، الذين أصبحوا من أصحاب المليارات ليس عبر التجارة أو الصناعة، بل بواسطة تقنيات السوشيال ميديا، وعلى الرغم من كونهم رأسماليين، لكنهم يؤمنون بالفكر الاشتراكي اليساري، ولا يجدون في ذلك تضاربا مع تعطّشهم لجمع عشرات المليارات من الدولارات، وتبريرهم لذلك، انهم يدفعون الضرائب العظيمة التي تُنفق على الخدمات الصحية والاجتماعية، واعالة الفقراء.
أكثر من ذلك يجدون أنفسهم اكثر اخلاصا للاشتراكية من الشيوعيين واليساريين المنظّمين والمتحزبين، فهم على الأقل
يبذلون الملايين على الناس ويساهمون في تنمية الاقتصاد، من دون شعارات دعائية، أو محاولات الوصول الى السلطة، كما تفعل الأحزاب المؤدلجة.
يفسّر ذلك كثيرا، أسباب خسارة ترامب الذي عوّل كثيرا على الرأسماليين الذين خذلوه لانهم لم يعودوا رأسماليين
خالصين، يجاهرون بان الثراء المادي هو السبيل للسيطرة والتسلط، وقد تجد لذلك أمثلة ضاربة في شخصيات مثل مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، ومالك شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، الذي ترك الشركة، وانصرف الى الأعمال الخيرية.
يتحدث ويليام ل. هولاهان، وتشارلز أو كرونكس، في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، عن ان الجيوش الغربية هي مشاريع اشتراكية، فيما إنتاج السلع وبيعها يكون عبر مؤسسات رأسمالية، تمتلك وسائل الإنتاج.
رويدا رويدا، تهيمن مفردات “الاشتراكية” على جدالات السياسة وفي الدعايات الانتخابية، في العالم الرأسمالي، ويتعاظم إضفاء الطابع الاجتماعي الاشتراكي على انتاج السلع والخدمات، واصبحت بعض مستويات الدولة أو الحكومات المحلية أو الفيدرالية تمتلك وسائل إنتاجها، فيما كانت في السابق حصرا على الرأسماليين والكيانات التجارية.
المجتمعات الحديثة، أسسّت لإنتاج وايصال السلع والخدمات بوسائل من الاشتراكية وبعض الرأسمالية. واذا كانت الرعاية الطبية، في الأصل، هي مشروع رأسمالي، فان التأمين الصحي يصبح على نحو متزايد، مؤسسة اشتراكية .
ومن الأمثلة الطريفة التي تقرّب الفكرة، ان السيارات، منتج رأسمالي، لكنها تسير على طرق اشتراكية، عبّدتها الضرائب التي ترعاها قوانين الدولة.
في أوروبا ما بعد الحرب، عوّلت بعض البلدان على القوانين الاشتراكية المحضة، التي نظّمت أسواق الغذاء والنفط والفحم والصلب والإسكان والأجهزة المنزلية، وكانت النتيجة جوعا و حرمانا، فيما الدول الرأسمالية مضت الى الرقي والتطور والرفاه، برأسمالية مدجنة بالاشتراكية.
التحدي الذي يواجه المجتمع هو في تحديد المهام، حيث الحكومة مسؤولة عن توفير الخدمات العامة والأمن، وحراسة النظام العام بصرامة مطلقة، بينما تتنافس الشركات الخاصة بدافع الربح لتوفير السلع.