عدنان أبوزيد
كان عالم النفس الاجتماعي الأمريكي ويليام ماكجواير، قد حذّر في مقال مؤثّر حَمَلَ عنوان “أسطورة التأثير الإعلامي الهائل” (McGuire 1986) من أنّ وسائل الإعلام سوف لا تقود المستقبل، لانحسار تأثيراتها على الطريقة التي نعيش ونفكّر بها، وتفوّق وسائل التواصل الاجتماعي عليها، لاسيما في الحملات الانتخابية، حيث وجد السياسيون فيها الطريقة المثلى لشنّ حروب الاقناع، وغسل الذاكرة، مما علق بها من صفحات سوداء، وتدشين ورقة بيضاء جديدة.
تحذيرات العالم الأمريكي تستند الى فرضية، انّ الاعلام المؤدلج لم يعد الوسيلة التي تقدّم لنا المعلومة الصحيحة، بعد أن أصبح ماكينة سياسية للتضليل، ونفخ الاكاذيب، من أجل صناعة وهم جديد لشخصية هذا السياسي، أو ذلك الحزب.
فضلا عن ذلك، فانّ الإعلان الانتخابي والاستشارات السياسية أصبحت صناعة، ولا يهمها ضخ الحقائق، قدر الحصول على الأرباح، واتّباع كل الطرق لإلحاق الانكسار بالخصوم الانتخابيين، وقد ظهر في الحملات الانتخابية الامريكية الأخيرة، حجم الأكاذيب والقصص الملفّقة، عبر الاستثمارات الاعلانية التي بلغت كلفتها مئات الملايين من الدولارات..
واذا كان علماء الاجتماع يعتمدون على فكرة ان هناك صراعا كلاسيكيا بين المعرفة النظرية والحقيقية، بمعنى انه ليس كل ما تعرفه نظريا عبر الاعلام والتواصل والمنشورات الدعائية، هو حقيقي، وان المعلومة المستقاة من التجربة العملية هي التي يُعوّل عليها، الا ان ذلك لم يعد ذا تأثير، لان اغلب سكان العالم ينساقون اليوم وراء الدعاية، بشكل مفرط، ولا يكلّفون انفسهم معرفة الحقائق حتى تلك التي يسهل الوصول اليها، ما يعني اننا نعيش عصر “العمى المعلوماتي” بما يعنيه ذلك من معنى.
على الرغم من كل ذلك، استنتج ماكجواير، في أواخر العام 1986، أن هناك القليل من الأدلة على قدرة وسائل الإعلام على الإقناع في الحملات الانتخابية السياسية وتغيير سلوك الناخبين، ومن ذلك انّ مايكل بلومبرج، رجل الأعمال وعمدة مدينة نيويورك السابق، أنفق على حملته للرئاسة، من أمواله الخاصة، أكثر من مليار دولار، 70٪ منها للإعلان.
وسائل التواصل الاجتماعي تغيّر اللعبة، بعد أن سمحت للزعماء الصاعدين بالتحدث مباشرة إلى الناخبين حول كل شيء، من السياسة إلى تفاصيل الحياة الصغيرة، وكان باراك أوباما أول مرشح رئاسي يستخدم التواصل الافتراضي للتعويض عن “الغياب الواقعي”، وينتقل دونالد ترامب إلى Twitter يوميًا تقريبًا للتعبير عن نفسه، مُهمِلا وسائل الإعلام التقليدية.
الطريقة التي يتواصل بها السياسيون اليوم، تختلف تمامًا عن الطريقة التي كانوا يتواصلون بها قبل خمس أو عشر سنوات، ولم تعد هناك حاجة الى مكبرات الصوت وتلفزيون، بل عبر نوافذ التواصل التي لا تكلّف أموالا كثيرة،
وتوفّر تكافؤ فرص انتخابية عادلة تقريبا، وقد استفادت من ذلك، الزعامات الجديدة التي لا تمتلك الأموال الطائلة للظهور في قنوات الاعلام التقليدية والرسمية.
على هذا النحو، نتوقع أجيال سياسية، في العراق، وأنحاء العالم، ستكون أقرب الى كونها شخصيات صنعها العالم الافتراضي، ليزرعها على ارض الواقع، الذي سوف يختبر مهاراتها وصدقها.