محمد عبد الجبار الشبوط
ليس سرا ان الانتخاب الفردي سيكون الطريق الى تفتيت الاقطاعيات السياسية المشاركة في السلطة. ولهذا وقفت هذه الاحزاب ضد القانون وعملت على تفتيته والالتفاف عليه، وحرفه عن مقصده الاصلي.في الانتخاب الفردي (في حال تمت الانتخابات بدون تزوير وما شابه) سيكون فرصة لاختبار شعبية المرشح، وشعبية حزبه اذا كان منتميا الى حزب. ذلك ان المرشح سابقا كان يفوز في اغلب الحالات باصوات قائمته التي جمعها من خلال الاسماء التي تتضمنها القائمة وبخاصة رئيس القائمة اذا كان يتمتع بشعبية كبيرة في حينها مثل نوري المالكي واياد علاوي. ولهذا وصل الى مجلس النواب اشخاص لم يحصلوا الا على عدد قليل من الاصوات، ثم تمكنوا من الوصول الى مناصب عليا.لن يحصل هذا في الانتخابات الفردية. فاما ان يحصل المرشح على اعلى الاصوات بنفسه، فيفوز بالمقعد النيابي، او يسقط في السباق الانتخابي. وستكون الكتلة النيابية الاكثر عددا هي تلك التي تستطيع تجميع اكبر عدد من النواب الفائزين تحت رايتها واسمها، فتملك الحق الدستوري بان ترشح رئيس الوزراء. (وان كنت احبذ ان يصار الى تعديل دستوري يعرّف “الكتلة الاكبر” بطريقة اكثر تحديدا، وهي الكتلة التي تملك النصف+١ من المقاعد النيابية).
امامنا الان ثلاثة انواع من المرشحين: النوع الاول: مرشحو الاحزاب التقليدية المشاركة في السلطة، وتقوم استراتيجياتها على نفس فكرة المحاصصة التي حكمت البلاد خلال السنوات الماضية وثبت فشلها وعقمها وعدم قدرتها على توفير الحكم الرشيد. وهي تنقسم طائفيا الى ثلاثة زمر هي: الشيعية والكردية والسنية.
النوع الثاني: مرشحو احزاب حراك تشرين التي تقوم استراتيجياتها على “الخصومة” مع الاخر، التقليدي، وليس من الواضح عندي كيف سوف تحالفاتها بعد الانتخابات لتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا والتي تستطيع الفوز بحق ترشيح رئيس الوزراء.
النوع الثالث: المرشحون المستقلون الذين لا ينتمون الى اي من الاحزاب التقليدية او التشرينية. وسيكون هؤلاء عرضة للمزايدات في البازار السياسي بعد الانتخابات. وليس من الواضح كم سيكون حجم تأثيرهم في مسيرة البلد انذاك.الصورة السياسية بهذا التخطيط لا تدعو الى التفاؤل خاصة وانها مازالت محكومة بنفس العوامل السابقة ومن اهمها: المال السياسي، السلاح المنفلت، المحاصصة، التشتت، تدني الوعي السياسي لدى الناخب، وغير ذلك. ولن تتحسن نوعية الصورة الا بظهور تيار وطني عابر للمحاصصة، عابر لسلبيات الاحزاب بنوعيها، قادر على الشتات، وذو رؤية لبناء الدولة على اسس وطنية وديمقراطية وحضارية. وهذا غير متوفر حتى الان.لا استطيع ان اخدّر وعيي السياسي بالامل في ان تجسد اي من الاحزاب الحالية، القديمة والحديثة، هذا التيار المنشود، لاننا لا تملك مقومات ذلك، ولا تعلن صراحة تمسكها بالاسس القادرة على اقامة دولة حضارية حديثة، وهي: المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث. لذلك لا يبقى من المشاركة في الانتخابات سوى كونها تمرينا انتخابيا قد ينفع في المستقبل.لا اخفي سرا انني كنت امل ان يسفر الحراك الوطني والاصلاحي الذي رعته المرجعية الدينية في وقتها عن بروز نخبة وطنية متقدمة في الوعي السياسي وقادرة على تقود الجمهور الانتخابي الصامت، وهو قد يمثل الاغلبية، ولكن هذا لم يحصل.
فلا الاحزاب التقليدية غيرت جلدها، ولا الاحزاب الجديدة ارتفعت الى هذا المستوى، فبقي الحراك السياسي يدور في نفس الدائرة التي رسمت حدودها عيوب التأسيس منذ ١٨ سنة والى اليوم، ولم تسفر الاحتجاجات الشعبية ودعوات المرجعية عن تغييرها. وظني ان سبب ذلك هو غلبة المصالح الفئوية والشخصية الضيقة على المصالح الوطنية العليا.