عدنان أبوزيد
مقاطع الفيديو القصيرة في الحاسوب والهاتف، التي تسحب اهتمام الجمهور، عبر تطبيقات سهلة التنزيل، تصبح مرجعا للمعلومة، مستغنية عن النص الخبري المكتوب، الذي مهما كسب المصداقية، لن يكون أكثر اقناعا وبرهانا، من الحدث الملتقط، صوتا وصورة.
أذلك نهاية عصر الصحافة التقليدية؟، بعد أن شهدت السنوات القليلة الماضية انفجارًا في تداول فيديو الحدث عبر الإنترنت، مدفوعًا بالتحسينات التقنية على منصات مثل فيسبوك، تويتر، انستغرام، والاستثمار من قبل الشركات الإعلامية في تنسيقات جديدة لنشر الاحداث بطريقة مرئية.
سرعة تطور تقنيات اقتناص اللقطة وسرعة النشر المباشر، تنبأ بالانقلاب العظيم في أساليب سيناريو المعلومة، يقلب بشكل تام، قواعد اللعب في ساحة الصحافة.
المواطن في كل مكان في انحاء العالم، يصبح صحافيا، طالما بحوزته موبايل وانترنت، ولا تحتاج منه تقنيات نقل البيانات من خلال تطبيقات الهواتف الذكية سوى ضغطة زر، موثّقا أعظم الاحداث واكثرها حساسية، بطريقة عفوية، بل وخالية من مقاصد التسييس، أو الإعلان، والتضخيم او التهميش، لتتحول تقنيات نشر مثل غوغل بلاي، تطبيق تيك توك الاجتماعي، الى منصات اعلامية تفاعلية، يرسل لها المليارات من الناس، الأحداث الملتقطة، في تواصل اجتماعي لم تشهده الكرة الأرضية من قبل.
الصحافة الفيديوية الجديدة، لم تعد تمتلك نقل المعلومة فقط، بل المال أيضا، محققة رأسمالا ضخما لم تسبقه اليها اية مؤسسة صحافة تقليدية طوال التاريخ، ومن ذلك ان قيمة شركة Bytedance بلغت نحو الـ 75 مليار دولار، فيما يبلغ رأسمال شركة TikTok نحو المائة مليار دولار، وحقّق تطبيقها نسبة تنزيل بأكثر من 660 مليون مرة في العام 2019 ، ويستخدمه أكثر من 500 مليون شخص على مستوى العالم شهريًا.
كما يتابع تطبيق الفيس آب FaceApp أكثر من 80 مليون مستخدم.
الأمر يتعدى المال الى النفوذ السياسي، وبحسب “وول ستريت جورنال” فإن صفقة بين مايكروسوفت الامريكية، وتك توك الصينية، سوف تعيد تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي وتؤثر على العلاقات الأميركية الصينية.
يلجأ بشكل متزايد، الكتاب والاعلاميون والسياسيون، والاكاديميون والمهتمون، في الوقت الحاضر، الى انشاء القنوات على الفيديو، لإيصال أفكارهم ونظرياتهم، ورسائلهم الثقافية والسياسية والعلمية، عوضا عن كتابة المقالات وتأليف الكتب والنصوص.
ومنذ ظهور صحافة الفيديو في الستينيات من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح واضحا جدا انها ستكون البديل المهم لصحافة الصورة والنص.
في العام 2001، انتقلت بي بي سي البريطانية، إلى صحافة الفيديو، ثم لحقت بها اذاعة صوت أمريكا، وفيديو نيوز إنترناشونال، ووظّفت نيويورك تايمز وحدها 12 تقنيا في صناعة الفيديو، في ذلك الوقت.
تطغى في أوربا الغربية وأستراليا وكندا، صحافة الفيديو بشكل ملموس جدا، ولم يحسّن ذلك من سرعة نقل الخبر
صوتا وصورة فقط، بل وفّر في النفقات أيضا.
لكن التحول الأهم في كل ذلك، ان صحافيي الفيديو لم يعودوا، أبطال اللعبة، لان كل من يمتلك هاتفا ذكيا اليوم، يستطيع ان يوثّق الحدث ويرسله في ثوان معدودة الى انحاء العالم.
تارا ساتون، مثال صارخ على صانع الفيديو الخبري الميداني، وقد عملت في العراق، ووثّقت الكثير من مشاهد الحرب، متخفية، لتجنب المخاطر الشديدة -كما تقول-، وفازت بالعديد من الجوائز الدولية.
تفوقت مقاطع الفيديو عبر الإنترنت التي يتم إعادة توجيهها من منصات البث، على الأخبار التلفزيونية التقليدية في نسب المشاهدة.
في تقرير لمعهد رويترز، فان مستخدمي مواقع الويب في 26 دولة يتابعون الاحداث عبر الفيديوهات على منصات التواصل لا عبر الفضائيات، كما تميل الإعلانات العالمية الى التحول الى مسار صحافة الفيديو، الامر الذي يجعل من الصحافة التقليدية، الخاسر الأكبر في سوق الإعلانات.