خديجة توفيق معلى
أنا الدكتور بدرالدين العلوي، ومن وراء جدار الموت، عدتُ لمقاضاة كل مسؤول تسبَّبَ في رحيلي وأنا لم أتخطى الثلاثين ربيعا! لن تقبل عائلتي أي تعزية قبل أن يكشف البحث عن كل المسؤولين وقبل أن يُطبق القانون! لن أقبل أنا شخصيا أي لجنة تبقى أشهر وسنوات تبحث، بدون أي نية لإكتشاف الحقيقة، بل طمعا في أن ينسى الجميع، مثلما يتمنوا أن ننسى من قتل شكري وكل الوطنيين الشرفاء.
تشريحُ جسدي لن يفيدكم، لكنني أطالب بتشريح الواقع المزري، البشع الذي وصلت إليه تونس! كل مَن قبل أي نوع من السلطة في أي مستوى وأي جهة، قد تواطىء في وصول وطننا إلى هاته الحالة. أرفض أن أُنعت بشهيد الواجب وأن تقام لي جنازة رسمية، كي يُريح المسؤولون ضمائرهم ويواصلوا في خيانة مؤتمن، وإرتكاب كل الجرائم البشعة في حق شعبنا!. أنا شهيد الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية! أين كانوا حين كنت أنا وزملائي نستغيث ونطالب بتحسين الوضع غير الآدمي الذي نعمل فيه.
أين مدير المستشفى، أين وزيرالصحة وكل مستشاريه، أين الوالي والمعتمد، والمسؤول عن الصيانة…. وكل من كان يعرف الوضعية التي أعمل فيها أنا وزملائي، ولم يُحرك ساكنا؟ جريمة قتلي لم تحصل يوم 3 ديسمبر! هذه الجريمة أُرتكبت اليوم الذي قبل فيها مدير المستشفى مهمة إدارة المستشفى وهو يعلم علم اليقين أن في رقبته سلامة وأمن كل الطاقم الطبي، والعاملين وكل المرضى والزائيرين. مسؤولية من شأنها أن ترعبه لكبر حجمها. ولكن ماذا فعل، لما بدأت مشاكل المصاعد، منذ 2011، وتوقفت عن العمل إلا مصعد واحد، وأبلغه الجميع عن ذلك، لكنه لم يتحمل المسؤولية.
تسع سنوات من الفشل الذريع، وليس كافي أن يُجيب أن ليس له الموارد لإصلاحه… كل التِعلات واهية وكل الإجابات لن تشفي غليل أمي..والغبن الذي سوف تعيش فيه كل عائلتي إلى الأبد، لأنه سمح أن أُقتل من جراء إهماله، وعدم تحمله للمسؤولية التي تقتضيها وظيفته! هل تساءلتم أيها المسؤولون غير المسؤولين عن عائلتي التي قررتم الزج بها في بئر من الحزن الذي لا قاع له! بإهمالكم لقد ضربتم عرض الحائط، بكل الليالي التي قضتها أمي في إرضاعي لبنا صافي ممزوجا بكل الحب الذي لديها، في حين كان أبي، بجانبها، يرضعني حب الوطن، ممزوجا بحب الخدمة والتضحية من أجله.
ضربتم بعرض الحائط كل تضحيات أمي، التي حرمت نفسها من كل شىء، بعد وفاة أبي في سنة 2000، كي توفرلي، ولإخوتي كل شىء. بإهمالكم، إستهزئتم بساعات دراستي الطويلة، بأحلامي كي أصبح دكتورا ماهرا، أشفي كل المرضى في جندوبة والقصرين، وفي كل شبر من هذا الوطن الغالي. تشريح جسدي لن يُفيدكم، لكنني أطالب بتشريح كل هاته السنوات العشرة الماضية للكشف عن كل من خان أحلام شعب قدَّم شهداء كي يتمتع بالعيش الكريم والعدالة الإجتماعية. شعبنا يمتلك كل الحقوق والحريات ولا ينتظر أية منة من أية سلطة أو حزب سياسي، خانوا الأمانة، وباعوا ضمائرهم! وراء كل سلطة مسؤولية، وأنتم لستم أهل لهاته المسؤولية، وآن الأوان لمحاكمة كل من تسبب في حرمان شعبنا من حقوقه الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية.
اليوم أُعرِّيكم وأعري عُهر سياساتكم وفسادكم وخيانتكم…مثلما إتهم مظفر نواب أمثالكم من قبلي، ومثله، أنا أيضا لا أستثني أحدا! في كل شبر من وطني قتلتم فرحي وفرح كل فرد من شعبي. عائلتي ومرضاي فقط لهم الحق في التعبير عن الحزن لفقدي، ولكنني أرفض حضور أي مسؤول سوف يأتي كي يسكب دموع التماسيح على قبري ويصلي صلاة متواطئة، خائنة وباطلة، بطلان كل خطبكم الفارغة، ووعودكم الواهية ونفاقكم! لن يرتاح لي بال قبل أن يجازى كل مسؤول عن فعله أو إهماله، أو تغاضيه… لن يرتاح لي بال لولم يحاسب الجميع كي لن يُقتل أي دكتور أو أي مواطن يَفنِي عمره في خدمة شعبه، بعد اليوم… وليذهب الفاسدون وكل المرتزقة للجحيم، ولا عاش في تونس من خانها!