عدنان أبوزيد
الصين بلد جبّار، يباري القوة الأعظم في العالم، ويستطيع التهام تايوان التي تعتبرها الادبيات السياسية الصينية، وأخلاقيات الشعب الأصفر، جزءاً لا يتجزأ من البلد الأم، وإنها يجب ان تعود يوما.
لكن الصين، لم تجازف باجتياح عسكري لهذا البلد الصغير، الذي يرفض سيادة بكين عليه، وقد فارق ماو تسي تونغ، الحياة العام 1976، دون غزو الجزيرة على رغم خطابه الضاغط الذي يوحي باقتراب ابتلاعها.
انتهت الاستراتيجية الصينية الى اعتماد سياسة أكثر لينا ومالت الى السلم مع تايوان، وفضّلت الاعمار على الحرب، متيقنة ان التفوق التكنولوجي، والرفاه الاقتصادي، وبناء القوة العظيمة، يخلق تجربة تمتثّل بها الأمم، وكفيل بدفع تايوان الى الركوع لها يوما.
يأفل الاخضاع القسري للشعوب بالقوة، ويحل محلّه ما هو أكثر نجاعة في استرجاع الحقوق، وفرض المشيئة، في انجاح التجارب الخلاقة التي تجذب الأمم الأخرى، الى التحالف والتعاون وحتى الانضمام الى الدولة المتفوقة.
في مقاربة لهذا التطور في مفهوم السيطرة العالمية بالمعرفة والقدرات، لا بالحرب والدماء، فان الاستراليين يرفضون الخروج على التاج البريطاني، ولم ينجح دعاة الاستقلال عن بريطانيا في تطبيق النظام الجمهوري.
لا يشك أحدا في ان سبب رفض المواطن الأسترالي، الانفصال، هو الديمقراطية البريطانية التي ارست أنموذجا ناجحا، وقادت البلاد الى التفوق.
ويتجلى الانضمام المتكافئ غير القسري، ولا التابعي، في كندا التي لازالت الملكة إليزابيث، رئيسا رسميا لها.
يتوقّع الخبراء ان يلغي التطور الاقتصادي والتكنولوجي، ووسائل النقل والاتصالات حتى الحدود السياسية بين الدول،
متحولة الى خطوط وهمية على الخرائط بعدما تندمج النظم واللغة والأفكار، والميول والاتجاهات والعملة، وقد يظهر ذلك منذ الان في العلامات الحدودية البسيطة بين سويسرا وإيطاليا، فيما تبدو الحدود بين هولندا وألمانيا كشريط معدني.
الدول المتقدمة، تجهز على الدول الضعيفة بعلومها المتفوقة، وتستولي على العقول والأفكار، بعتادها في تقنيات التواصل والإعلام، والأسواق الذكية، والبضائع الجيدة، فيما تتنقل شركاتها عبر الدول الواهنة للاستثمار في النفط ومناجم الذهب، وحقول الغاز، ورمال الصحراء، محققة ارباحا بمليارات الدولارات، وموفرة فرص العمل حتى للدول التي تستثمر فيها، وكلها إنجازات تفوق ما يمكن ان تحصل عليه دولة ما بغزو عسكري.
تتخاذل نزاعات الحدود، وتتناهى أمام حركة التاريخ، التي ارست آليات حرية اليد العاملة والبضائع الى الحد الذي يعتقد فيه البعض ان العالم يتوجه الى حكومة عالمية مشتركة على الرغم من وجود نحو 6500 لغة، ومجموعة متنوعة من الأنظمة السياسية، والعديد من العملات المختلفة.
ولا حرج في وجود كيانات سياسية من خلال الحدود الجغرافية أو الخطوط الخيالية، لكنها لن تُصبح في المستقبل، عنوانا لنزاع عسكري أو حرب، لأنّ الاحداث تجاوزت بواعث آليات المخاصمة على الجغرافيا الى أضداد في حقوق الاختراع، والملكية الفكرية، وميزان التجارة، والهيمنة الثقافية، وسطوة الشركات الكبرى، ما يجعل من الحرب لو افترضنا
احتمالها، لن تكون سوى منافسات اقتصادية او تكنولوجية او تجارية.
انّ التفكير في التركيز على تشييد المجتمعات، والنهوض بالاقتصاد والتعليم، وتحقيق ناتج قومي إجمالي للموارد الطبيعية والنفطية، وخلق طاقات سكانية متعلمة ومنضبطة، سوف يجعل من اية دولة، قوية، محصّنة، مهابة، ولن تستطيع اية قوة في العالم، منعها من ذلك، ومن ذلك ان اليابان وألمانيا، الخاسرتين في حرب عالمية، نهضتا بعدما ابتعدا عن أسباب التسليح والنزاعات.
السؤال: ما معنى ان تمتلك صاروخا وشعبك جائع، ما يوجب الحاجة الى الإنماء صعودا الى المستويات القوية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، بدلا من مشاريع التسليح والحروب، عندها سوف تتلاشى أمام عظمة بلادك، الجبروتية المضادة.