عدوية الهلالي…
تحتفي دول العالم في منتصف شهر تشرين الأول باليوم العالمي للمرأة الريفية ، تقديرا لدورها الكبير في تعزيز التنمية الزراعية ومساهمتها في تحسين مستوى الأمن الغذائي ..
وفي العراق ، تواجه المرأة الريفية العديد من التحديات لكنها اعتادت أن تتغلب على كل انواع المصاعب لتديم اسنادها للرجل وتؤكد اهمية دورها في المجتمع ..
حكايات من الواقع
مع بدايات الصباح ، تعرض ( ام حسين ) بضاعتها الطازجة من الحليب واللبن الرائب والجبن والزبد والدهن الحيواني في ركن من أركان السوق الشعبية ، فهذه المنتجات الحيوانية هي مصدر رزقها منذ سنوات عديدة لأنها اعتادت تربية الحيوانات وتركت لأولادها مهمة زراعة قطعة الارض الصغيرة التي ورثوها عن والدهم بنبات ( الجت) لاطعام ابقارها فقد غادرها زوجها الى الحرب خلال سنوات الثمانينات ولم يعد ، واضطرت ان تعتمد على نفسها في كل شيء حتى بلغ اولادها سن الرجولة ..وتقول ام حسين انها حرمت اولادها من التعليم بسبب الفقر وحاجتها الى مساعدتهم وهو الأمر الوحيد الذي ندمت عليه كثيرا لأنها لم تؤد رسالتها كاملة..
اما الحاجة سعدية فرحان فلم يحالفها الحظ بالحصول على عون الأبناء لأنها فقدت جميع رجالها من زوج وابناء بعد دخول مسلحي داعش الى قريتها ومحاولة رجال القرية التصدي لهم..وتؤكد فرحان انها نزحت مع النازحين من قريتها وعادت اليها بمجرد خروج داعش منها لتعيد الروح الى الارض التي غادرها رجالها ، لذا استعانت بأزواج بناتها لمساعدتها في حرث الارض واعدادها ثم باشرت زراعتها بنفسها مع القيام بمهمة السقي والاشراف على جني المحصول ونقله الى السوق في مركبتها ( البيك آب) التي تقودها بنفسها ، فضلا عن رعاية زوجات اولادها واحفادها اليافعين الذين اعادتهم الى مقاعد الدراسة لتحقق بذلك أحلام اولادها الراحلين ..
من جهتها ، تمكنت الشابة آمال من التوفيق بين دراستها وعملها في الزراعة وتربية الحيوانات ضمن عائلتها كبيرة العدد ، وبسبب اصرارها على مقاومة الظروف القاهرة والنظرة القاصرة للفتاة الريفية فقد تفوقت في هذا العام وحصلت على معدل 95 % ، وهي تنوي دخول الجامعة دون ان تفكر في التخلي عن مساعدة اهلها في اعمالهم الزراعية خلال اوقات فراغها .
عملية تغيير الواقع
وترى الناشطة المدنية أمل عبد الحسين ان التعليم هو عنصر مهم بالنسبة للمرأة الريفية على اعتبار انها تساهم في اقتصاد الاسرة ويبرز دورها الكبير في كافة الانشطة الاقتصادية ليجعل منها ذلك قوة مؤثرة في بناء المجتمع وتعزيز اركان السلام واحداث التغيير في واقعها عن طريق محاربة العنف بجميع اشكاله ومواجهة العادات والتقاليد والاعراف المجحفة للوصول الى مستقبل أفضل يمكنها من خلاله المشاركة في الحياة السياسية والعملية بما يضمن مكانتها الاجتماعية ..
اما الدكتور باسم الخفاجي / المتخصص في علم الاجتماع فيرى ان المجتمع العراقي يعاني من ازمة ثقافة مجتمعية تلعب فيها المراة دورا سلبيا ، اذ لايمكن ان تأخذ المرأة حقها في أي تشريع قانوني دون ان تسعى للمطالبة به بنفسها وانتزاع حقها في الحياة والعمل والمساواة ، فكيف اذا كانت المرأة تسكن الريف وينظر لها المجتمع نظرة قاصرة فهي تمارس اصعب المهن كمزارعة ومربية للحيوانات لكنها لاتحظى بالتركيز على جهودها لأنها تعمل في الحقول وتنجز مايعادل 60-70 من اعمال الزراعة بينما يتواجد الرجال في الندوات ودوائر الارشاد والمحافل الاجتماعية مع تغييب دور المرأة وتضييع حقوقها المادية والاجتماعية غالبا ..
وتؤيد الناشطة انوار مهدي من شبكة النساء العراقيات ماسبق بقولها ان على منظمات المجتمع المدني دعم المرأة الريفية معنويا عن طريق ايصال صوتها الى الجهات المعنية ، ولأن الجهات الحكومية ربما لاتقدم لها شيئا فلابد من محاولة ايصال صوتها الى الجهات المانحة والدولية لأنها تقدر عمل المرأة الريفية وجهودها وانجازاتها على الرغم من افتقارها للتمويل ..وتشير مهدي الى ان المرأة الريفية لاتحصل على فرص التعليم وتعمل مع الرجل في انتاج المحاصيل ورعاية الماشية وتوفير الغذاء لكنها تعاني من سلب حقوقها وكثرة واجباتها فالمجتمعات الريفية تشجع زواج القاصرات ومعظم النساء الريفيات يعانين من الفقر والأمية في ظل عدم وجود خطط حكومية تهدف الى تحسين واقع المراة الريفية ..
آليات ..للنهوض بالمرأة
بالمقابل ، توضح الدكتورة ابتسام عزيز / مدير عام دائرة تمكين المرأة في مجلس الوزراء ان 60% من النساء العاملات في العالم يعملن في قطاع الزراعة حسب احصائيات منظمة الامم المتحدة للأغذية ، وعلى الرغم من ذلك فهن الاكثر فقرا وتضررا في الأزمات ..
وتؤكد عزيز ان هنالك حوالي 70% من القوى العاملة في الريف من النساء وفق احصائية وزارة التخطيط فالمرأة الريفية تعمل في الحقل وتربية الحيوانات والاعتناء بالاسرة والاولاد بينما يضطلع الرجل بالمهام التقنية وبيع المحصول ، كما ان المرأة في العراق كباقي البلدان العربية تعمل ولاتملك الأرض ، مادعا الحكومات العراقية المتعاقبة الى وضع عدة آليات منها ستراتيجية التخفيف من الفقر التي أولت المرأة الريفية وتطويرها اهتماما كبيرا ، كما تم تشكيل لجنة النهوض بالمرأة الريفية التي تتولى معرفة احتياجات المرأة الريفية لما لها من أثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع ، وتعمل هذه اللجنة ضمن نظام مؤسساتي يضم وزارة الزراعة والصحة والتربية فضلا عن الاتحادات والجمعيات الفلاحية ونقابة المهندسين الزراعيين والمنظمات الدولية مثل منظمة فاو ، وعبر مديريات الارشاد الزراعي المنتشرة في مختلف النواحي والقرى والاقضية في عموم العراق والتي تعمل على رفع المستوى الثقافي والاجتماعي وليس التوعية الزراعية فقط كما تسعى لتمكين المرأة اقتصاديا عبر ادخال التكنولوجيا في العمل ومنحها فرصا متساوية مع الرجال لتكون بالمستوى الذي ينهض بهذه المهمة الصعبة بزيادة الانتاج وبطرق حديثة.