رؤى الدرويش
عام كامل على الانتفاضة الشعبية التي حدثت في وسط وجنوب العراق والتي اتسمت بمشاركة شريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي وبشكل خاص الفئات الشبابية التي رأت بخروجها ومطالبتها بالتغيير هو ارجاع جزء من حقها المسلوب من قبل الاحزاب الحاكمة التي همشت الشعب سنين طويلة وحكمته تحت مسميات وشرائع شتى مستغلة عواطفهم تارة وانتماءاتهم تارة اخرى.
خرجت حاملة شعار( نريد وطن) ليكون الخطوة الاولى نحو بناء وطن مبني وفق اسس مدنية ديمقراطية.
ما ميز هذه الحراكات الشعبية هو الحضور الاستثنائي للمرأة التي لعبت دوراً جوهرياً وفعالا ،وقد كانت لها بصمة مميزة في كل مزايا الحراك , فنجدها عاملة في المطبخ ومشاركة في حملات التنظيف ومسعفة ومتظاهرة وقائدةً للجموع الشبابية الهاتفة نحو غد افضل, وحتى التي لم تستطع الخروج والتظاهر , فقد شاركت عن طريق نشرها ودعمها للتظاهرات في مواقع التواصل الاجتماعي, وكذلك المشاركات المالية لدعم التظاهرات والجرحى ممن سقطوا جراء اساليب القمع التي اتبعتها بعض الجهات.
لم تكن مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري التشريني مشابةً لمشاركتها في العملية السياسية بعد ٢٠٠٣ نتيجة الكوتا التي تنافست عليها أحزاب لا تؤمن اصلا بدورها سوى حاجتها لتكون عدداً في قائمتها الانتخابيه ،استكمالا لنسبة 25 % ،والتي تسببت للمرأة كوارث اساءت لقضيتها وشوهت دورها مستكملة بذلك التشوّه السياسي والاقتصادي والامني الذي شهدته البلاد والذي نتجت عنه هذه الانتفاضة الشبابية العارمة.
اما الان ومع تصدرها المشهد السياسي الحقيقي, فانها اثبتت إنها لا تحتاج الى نسبة مشاركة زائفة، بل اقتحمت المواقع بتواجدها الدائم في سوح التظاهر، حتى في أكثر المدن تحفظاً، حيث وقفت في صدارة الموقف، لذا فان مشاركتها المقبلة في عملية البناء ليس كرقم مكمل لأحزاب لم تقدم للوطن سوى الدمار والخراب والسرقة, انما كنعصر فعال في بناء وطن يحلم به الجميع.
اذن وبعد مرور اكثر من عام على هذا الحراك نجد انه من الضروري ان يستمر هذا الحضور اللافت ليتسع كل المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية لتعود المرأة متصدرةً المواقع الامامية للمجتمع,و لتكون عنصراً فعالاً ومشاركاً في كل ميادين الحياة . ولأجل إدامة هذا الزخم النسوي الجديد, ارى ان على المرأة ان تحدث تحول في مسارها الثوري من حالة اثبات وجود و هوية والذي اكدته الشعارات التي رفعتها في الساحات ( هاي بناتك يا وطن هايه…) , الى مرحلة المطالبة بالحقوق والحريات , اذ وحسب احصائيات هيئة الامم المتحدة لشوؤن المرأة, يتضح ان ملايين النساء في العراق تعاني من صعوبات العيش وافتقارهن لابسط الحقوق، ويعود ذلك إلى التهميش الممنهج الذي تتبعه الحكومات المتعاقبة تجاه هذه الشريحة ، بالاضافة إلى حالات العنف الأسري وأزمات الصراعات العشائرية والنزوح الجماعي نتيجة الحروب .
فقد وجدان ان هنالك 14% فقط من النساء العراقيات يعملن خارج البيت وهذا يعني أنَّ 86% من النساء العراقيات لا يتمتعن بالاستقلالية لأنَّهنَّ لا يملكنَ دخلاً خاصاً بهنَّ, مع اكثرمن3 ملايين ارملة بدون معيل,ونساء أميات تصل نسبتهن الى 50%, ونساء معنفات بنسبة تفوق46%. كل ذلك يحتاج الى تشكيل لجان للدفاع عن حقوق المرأة,مع اصطفاف للرأي العام حولها والكف عن المراوحة والمراوغة و الصمت وأخذ موقفاً سياسياً وأخلاقياً للانطلاق الى العمل اللاحق في فترة التهيئة لنظام جديد.
ولنذكر جميعا بأن الانتفاضة التي قامت من أجل الكرامة والعدالة والحرية، لا يمكن تحققها بتغييب المرأة عن المشهد العام . رأينا بالامس نساء يمارسن الفعل الثوري بكل تجلياته في قيادة مظاهرات واعتلاء المنصات الاحتجاجية و تقديم الدعم اللوجستي ,ولذا فان رموز الشهادة لا تقتصرعلى شهداء الرجال فقط, بل هناك العديد من النساء سقطن شهيدات في سوح الاحتجاج.
ولنذكردائما ان رفع شعار (الثورة أنثى) و (أجمل ما في ثورتنا نساؤها) لم يأت من فراغ أو مجاملة، إنما من الحضور الواسع والهائل والقوي للمرأة العراقية في ساحات التظاهر.