سمير النشمي
في وقت سابق نشرت مقالا يتناول طريقة التفكير عند المرأة المبدعة حصراً ، وقلت فيه أنها لا تختلف عن الرجل كثيرا في طريقة تفكيره ، بل هي قد تفوقه خاصة في القضايا الدقيقة ، والآن بودي أن أذكراً بعضاً مما تتميز به المرأة المبدعة من مجال السمات والمزايا والصفات التي ينبغي أن تتوفر فيها ، مع أن هذه السمات قد تكون أعلى عند بعضهن دون الأخريات ، ولكنهنّ في النهاية تنطبق عليهن هذه السمات بقدر وبآخر ، كينونة المدعة وما تحمله من هذه السمات والمزايا قد تكون نادرة عند الكثيرات من أقرانها سواء في مجال الأدب أو الفنون الأخرى ، وفيما يلي بعضا من هذه السمات وهي:-
أولاً:- إنّ المبدعة تتميز بوجدانية عاطفية مشوبة بالحنين والتأثر إلى أبعد الحدود ، وقد لا يظهر هذا الحال عندها جهاراً عياناً ، ولكنها في أعماقها تتفاعل بشكل قد نصفه بالمبالغة، ولكنه حقيقة ليس مبالغة بل هو حالة وجدانية صادقة ، سواء كان الحدث الذي تتفاعل معه محزنا أو مفرحاً ، وسواء مسّ هذا الحدث الإنسان أو الحيوان أو النبات أو أيّ كائن آخر ـ بل أحيانا حتى مع الجمادات ذات الشكل الجميل ، وكما مرّ آنفاً قد لا تظهر ملامح هذه الحالة الوجدانية بوضوح على السلوك آنيّاً ، ولكنه يبقى مخزونا في الذاكرة الوجدانية .
اللاشعور وتستفيد منه المبدعة عند الحاجة إليه ..
ثانيا:- وليس بالضرورة أن يكون ردّ الفعل تجاه هذه الحالة آنيا أو سريعاً ، فالمبدعات عندما يتعرضنَّ لهكذا مواقف في الفرح أو الحزن وحتى في حالة الغضب ، فإنهنّ يحاولن جهد إمكانهنّ السيطرة على إنفعالاتهن إلى أقصى مدىً من التحمل ، والدليل على وجدانية المرأة المبدعة أنها تلمح أمامها زهرة نضرة خلابة الجمال لا تبادل إلى قتلها بقطعها من غصنها الذي تقف عليه ، بل هي تقف أمامها متأملة لشكلها وجمال لونها وشمها لعطرها وتلامس برقة أناملها ورقة تلك الزهرة الناعمة الملمس دون أن تؤذيها ، وهذا السلوك من المرأة المبدعة نابع من وجدانها الرقيق ، ومن شعورها بأنها مخلوق مثلها يستحق الحياة ولا يجوز العبث بها ، في حين نجد نساءً أخريات بل حتى من الرجال من يبادر إلى قطفها وتعليقها على صدره أو صدرها ، وبعدها تذبل هذه الزهرة وتتفتت وتصبح هشيما ، إذن المرأة المبدعة تحب الحياة ، وتحب المخلوقات ولا تسبب أذى لأي منها ، وهي تعتبر كل مخلوق بكل ما يحيط بها يستحق الاهتمام ..
ثالثا:- من سمات المبدعة حبها للصمت والهدوء ، وقد يظنها البعض أنها خاملة أو كسولة ولا فائدة ترتجى منها ، فتكون بذلك مثاراً لسخريتهم بها واستهجانهم لها ، ولكنّ هذا الهدوء وذلك الصمت هو سمة أساسية ومهمة في تكوين المبدعة ، فهي لا تريد أن تنقطع سلسلة أفكارها بكلام غير مفيد لا يخدمها ، ولا تريد لخيالها المحلق بعيداً ، أن يهوي
سريعا فلا يتمكن من الوصول بعدها إلى الهدف الذي رسمته في ذاكرتها ،علما أن عمق الخيال عند المرأة المبدعة يفوق خيال الرجل المبدع بأشواط بعيدة ..
رابعاً:- ومن سمات المرأة المبدعة أنها تتميز بالبساطة والتواضع ، فعي تجالس الأخريات بل وحتى الأخرين من الرجال ، لتسمع منهم وتفهم ظروفهم ، لأن تجارب هؤلاء قد تفتح لها أبوابا من الأفكار تستطيع من خلالها أن تنتج عملا أدبيا أو فنياً متميزا ، كما أن المرأة المبدعة لا تبالغ في مظهرها ولا زينتها ، إلى الدرجة التي تجلب فيها أنظار
وإنتباه الآخرين إليها كجسد وليس ككيان ، فمظهرها يتماشى مع الحد المعقول حفاظا على هيبتها ومكانتها بصفتها صاحبة رسالة من خلال ابداعها …
خامسا:- قد يعيب البعض على المرأة المبدعة صمتها لأن المتعارف عليه عند غالبية النساء غير المبدعات كثرة الكمال والقيل والقال ، أمّا المبدعة فإن الصمت عندها عبارة عن عمل متواصل فصمتها تفكير وتخطيط ، صحيح أنه غير واضح المعالم بعد ، حتى للمبدعة ، ولكنه في النهاية تتحدد أبعاده وتتضح مضامينه ، وتصبح لديها نقطة
الشروع واضحة تماما وعملية التفكير هذه ، هي أيضا عملية بحث متواصل في خزين الذكرة ـ في اللاشعور ـ فمن هناك تستطيع المبدعة أن تسترجع الكثير من التجارب والأفكار التكميلية للمشروع الذي تفكر فيه ، وبذلك أي تعكير لحالة الصمت عند المبدعة هو إضاعة لفرصة نادرة ، توصلت إليها المبدعة بالصبر والمطاولة ..
سادسا:- اللجاجة والفضول عند المبدعة حالة ملازمة لها ، وإن لم تعبر عنهما بسلوك مشابه لسلوك الأخريات غير المبدعات ، فلجاتها في الحصول على المعلومة لا تتحدد بشخص واحد ، بل بتعدد الاشخاص ، وبطريقة غير مباشرة ، كما أنّ المبدعة تراقب من طرف خفي حركات من يحيط بها من الجالسين معها ، وتركز على مفردات كلامهم وعلى حركاتهم ، والمبدعة تحرص تمناما على ألّا يشعر بها أحد من الجالسين أنها تراقبه ، فلربما يفطن لنفسه فيفقد العفوية في تتصرفه ، وهذا الحال ينطبق أيضا على أقرب المقربين من المرأة المبدعة ، لجاجة المبدعة وفضولها في
الحصول على أكبر قد من المعلومات والأفكار والحركات ، يجعلها تبالغ في معرفتها لطريقة تحاور الناس وتعاملهم اليومي في البيع والشراء ، بل وسخرية البعض من البعض الآخر ، وحتى تنابزهم بالألقاب اللائقة وغير اللائقة …
سابعاً:- قد تضطر المبدعة شعورا منها بالحاجة ، إلى التجول في الأسواق والأماكن العامة من أجل التعر على ما يحبون وما يريجون ـ ولكنها لا تتدخل في شؤونهم ، بل تبقى في موقف المراقب فحسب ، وقد تقوم المرأة المبدعة إلى زيارة مواقع بعينها أثرية أ و حضارية ، أو زيارة مدن أو بلدان مشهورة ، حسب سماعها للتعرف على أسرار تلك الشهرة المرسومة في عقول بعض الناس عنها ،. حتى لو كانت تلك الأماكن نائية،، إذن من كل ذلك ننخلص إلى بعض الأمور أن التجارب الشخصية وتجارب الآخرين وجمال البيئات ، والسلوك العفوي عند البعض ، كما أن السلوك الأهوج عند البعض الآخر ، إضافة إلى نوع الثقافة التي تحملها المبدغة والبيئة التي تنتمي إليها أو انحدرت
مها كلها تشكل شخصية المبدعة وتضفي عليها سمات وصفات تكون لها عونا عند أنجاز أي عمل ابداعي ، وعلينا إلّا ننسى الموهببة ، فإذا ما وجدت عند واحدة من بنات حواء فهي حتما ـ أي الموهبة ـ بحاجة إلى ما يدعمها لتكون فعالة في عطائها المتواصل