والشاعر عصمت شاهين دوسكي
* ينقلنا من الذاتية إلى الشمولية من خلال ” أنا ” .
* أحب باعتدال دون إسراف .
* سنن الأقدمين ومحاكاتهم أساس وثيق بين الماضي والحاضر.
بقلم الأكاديمية كلستان المرعي ـ سوريا .
الحب ديمومة مهمة في الحياة, كما أمرنا أن نحب الناس فقد أمرنا في نفس الوقت أن نقتصد في حبنا للبشر بحيث لا يخرج عن الاعتدال وهو صفة العقلاء كما قال الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ” .أي أحب باعتدال ودون إسراف وقد يكون حب مختزل في العلاقة بين الرجل والمرأة لا نبالغ إذا قلنا إنّ الطبيعة كانت على الدوام ملهما بالغ التأثير في نفسية الشعراء ومن خلال طبيعة كردستان الجميلة يطل علينا شاعر الحبّ والجمال عصمت الدوسكي المرهف الإحساس , بقصيدة “معذب أنا ” ممزوجة بصور المحبة والجمال والإنسانية رغم المعانات والمآسي , فهو ينقلنا من الذاتية إلى الشمولية من خلال ” أنا ” فقد تكون أنت وهي وهو وأنا ، يستهل قصيدته بنغمة حزينة ووصف وجداني إبداعي , كلمات وصور شعرية محمولة بشحنات من الحزن والألم ليشاركه القارئ بكل أنة وزفرة, / سحر، اغتراب ، لوعة مأساة , حنين , شوق بعد المسافات , تجرع كؤوس الآهات/ .
( معذب أنا
سحر بين اغترابي ولوعتي
حتى الصبر لم يلق الشفاء على مأساتي
بعد الحنين ، بعد الشوق ، بعد مسافاتي
أتجرع كؤوس آهاتي ) .
ووصف للمرأة كما ينبغي, فيه شعور وإحساس ورقة , فهي شطر من النفس لا تطيب الحياة إلا بها / عيناها نور الحياة شفتاها أسطورة عشق , شعرها ملاحم حكاياتها , صدرها , خصرها , وجهها , كل ذلك بنقاء وعذوبة .
فهي أسطورة حلم, وسفينة أمنيات ولوعة مجهولة وآهة متراكمة وهي التي قيدت مجراته ,فهي وجع الشاعر الذي أصبح وقودا لنيرانها .
(عيناك نور الحياة
خداك رونق رغم الأسى
شفتاك أسطورة عشق جميل
شعرك يحكي لزمن ملاحم حكاياتي
صدرك الناهد ثائر على الآهات
خصرك المياس أسورة ورد وآس مولاتي
وجهك الآتي يمزق أوراقي ) .
ويتابع الشاعر في قصيدته , ضائع في صمت الهزيمة التي أجهضت حلمي وثورتي ,أشرب كؤوس العلقم في أناتي ,لكنه يتحدى الفقر بقوة , ويفتخر بغنى الحب / فالغنى بالحب , شرف مولاتي ./
(معذب أنا
كيف ألم صمتك وصمت صرخاتي ؟
أنت إن أجهضت حلمي وثورتي
في كل أنة أشرب علقم كأساتي
إن كنت فقيراً ، معدما ..
فالغنى بالحب ، شرف مولاتي
أبهرتني بالرؤى شوقاً
فتعذبت بالشوق مناجاتي ) .
لقد غلبت على القصيدة غمامات الحزن ,عذاب المحب وخضوعه للمحبوبة بحكمية العاطفة والعقل , أمله البعيد اليأس باللقاء , سهولة الألفاظ ومناسبتها للنص, الوصف والتصوير وقوة الشعور بالجمال , شدة التأثير على القارئ , العفة والاعتدال في الحب ….. نقاء وعذوبة , حلاوة النغم حيث فيها رنة موسيقية , نَحسُ في القصيدة سنن الأقدمين كعذابات هاملت ولوعة كثير عزة وهيام قيس بن الملوح ,/ مجنون ليلى / حيث يقول الشاعر : حتى الصبر لم يلق الشفاء على مأساتي بعد الحنين وصبره لا يجدي , وهذا يذكرنا بقول قيس بن الملوح بأن البعد وطول الدهر لا يشفي فقال : لحى الله أقواما يقولون :أننا / وجدنا طول الدهر للحبّ شافيا / وانيّ لأستغشي وما بي نعسة / لعلّ خيالا منك يلقي خياليا /
سنن الأقدمين ومحاكاتهم يأخّذه اللاحق من السابقين ليس هذا جمودا بل إقامة الشخصية الفنية على أساس وثيق بين الماضي والحاضر .مع السلاسة والعذوبة وامتزاج الحزن بالأمل , الإبحار
فيها يدخل الأفكار والمشاعر والإحساس إلى جواهر المعاني والحياة التي تريدها .وأجمل ما قيل في الاعتدال قول عمر بن الخطاب : لا يكن حبك كلفًا ولا بغضك تلفًا !
وهذا الإحساس المرهف لا يظهر إلا من خلال شاعر متمكن جريء في التعبير ومعانيه قريبة من شغاف القلب في الحب والاعتدال في الحب مثل الشاعر عصمت شاهين دوسكي . فما أجمل الاعتدال في حياتنا وأفكارنا وأسلوبنا وإحساسنا وتعاملنا مع الناس .