تاريخ الكراهية

عدنان أبوزيد

العلاقة بين الغرب والعرب، بشكل خاص، كانت على الدوام، قائمة على الإرادات، لصالح الغرب لا سيما في مجال النفط، الذي دفع الى حقبة استعمارية كرّست علاقة الحساسية المفرطة بين الطرفين، لكن أزمة كورنا مدعاة الى علاقات أكثر عدالة بين الشعوب بعيدا عن تعبئة الماضي وعقده المستحكمة بين الشعوب بشكل عام، لكن هيهات في خضم الكراهية التاريخية التي تقود العالم.

التأزّم في التطبيق يكمن في إرث وازن من ماضي الأواصر بين الشعوب، ومن ذلك ما يذكره الفيلسوف الهولندي هان فان دير هورست، بانّ من المنطقي أنْ تحتقر الشعوب الغرب، فلولا أسباب الصراع التي ولّدتها الدول الاستعمارية في المنطقة، لكان العرب، على سبيل المثال، على سعة في البناء باستخدام مليارات ومليارات الدولارات المهدورة في حروب ورثوا أسبابها، لكنهم لن يفعلوا، ليس لأنهم لا يؤمنون بذلك، بل لان الخرائط المرسومة، وبواعث الصراع تحوُل دون التنفيذ.

وكل أمة في العالم، لها أسبابها في التناحر والبغضاء.

لايزال الاتراك ينظرون الى العرب على انهم خونة، لأنهم وقفوا بجانب الحلفاء الذين وعدوهم بالاستقلال، خلال الحرب العالمية الأولى، ليتمردوا على حكامهم العثمانيين (الأتراك) الذين انحازوا إلى ألمانيا. ولاحقا أدرك العرب ان الدول الغربية خانتهم أيضا.

يروي هورست أيضا عن ان الغرب الذي يثلب الدكتاتوريات العربية لنهجها الصارم ضد المعارضين العزل، فانه نفسه لاسيما الحكام البريطانيون استخدموا في عشرينيات القرن الماضي، غاز الخردل القذر للغاية ضد الثوار العراقيين بموافقة صريحة من ونستون تشرشل.

وفي جانب أسباب التباغض، فان الحكومات الغربية والشركات المتعددة الجنسيات آزرت الأنظمة العربية من اجل النفط، لا من اجل حقوق الانسان. وفي السبعينيات من القرن الماضي، دفع الغرب أسعارًا منخفضة للغاية للذهب الأسود محذرا قادة الشرق الأوسط من الاحتجاج.

وفي أوائل الخمسينيات، أندمج البريطانيون والأمريكيون في مشروع إِقْصاء رئيس الوزراء الإيراني الراحل، مصدق لأنه أراد تأميم المصالح النفطية، ويسّروا للشاه، تأسيس ديكتاتورية وحشية.

ازدادت علاقات الفتن بين الشعوب، بالتدخل العسكري لأمريكا وحلفاءها في أفغانستان.

وإذا كانت العرب تمتهن الغرب ولا تثق به، لأسباب تاريخية تبرّر ذلك، فان بواعث الكراهية تسوّغ الصراعات بين الكثير من الشعوب.

لايزال الصينيون، يضعون صورة الياباني كرمز للعداء والكراهية، في شعور انتقامي تَولّد جراء غزو القوات العسكرية اليابانية، شرق آسيا، واصبحت فوبيا اليابان، ثقافة اجتماعية في الصين والكوريتين. ولا يزال اليابانيون يلقبون الصين بـ رجل آسيا المريض، على الرغم من انها لم تعد كذلك.

وشنّ الجيش الأمريكي، العام 1942 الحرب على اليابانيين الذين قتلوا بصورة وحشية، وصوّرتهم الأفلام الامريكية الكلاسيكية، بأسنان كبيرة وعيون مشدودة، في قصد التحقير.

الانكليز ينافرون الفرنسيين، ويصف شكسبير في مسرحيته الملك الفرنسي هنري الخامس بـ “الفاسق”.

الفرنسيون يصفون الانكليز بالغطرسة والسُكْر، فيما يصف الانكليز الفرنسيين بالمهذارين والغريرين وتفوح منهم رائحة الثوم.

وبواعث الكراهية بينهما تاريخية، تعود الى حروب المائة عام، والثلاثين سنة بين كرّ وفرّ، فاز فيها الانكليز في 23 حربا وخسروا في 11 منها.

وعقب خسارتها للحرب العالمية الأولى، خضعت ألمانيا لشروط الحلفاء المنتصرين، وانتهت الى كراهة مبطّنة، تظهر عبر الدعابات الساخرة التي يتبادلها الشعبان.

على ذات المنوال، لازال الروس يتطارحون الحكايات التي تحقّر اليابانيين، إثر الحرب ما بين عامي 1904و 1905.

يزيد من هذا السجال العنيف، في الاعلام وفي ساحات الحروب، أولئك الخطباء المفوهون، الذين يتحصنون على الدوام خلف الأيديولوجيات، لتعليل أسباب الكراهية بين الشعوب، استجابة للسياسات الرسمية، وهو أمر فَتَح السبل لغزو الأوطان، والحروب المحلية والعالمية.

في حقبة كورونا، لم يصرف هؤلاء من الكلام، ولم تنفق الدول من المال، لمكافحة الوباء، قدر بذلها على التسليح والحروب والكراهية.

شاهد أيضاً

العراق وطن القلوب والحضارة

اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …

error: Content is protected !!