شيروان الشميراني
بعد دوي فضيحة التعذيب في سجن ابي غريب عام 2004 من قبل الشرطة العسكرية الأمريكية بحق سجناء عراقيين، زرت السجن – بحكم عملي- و كان مدير السجن تم تغييره حيث كان المدير الجديد للسجن هو الجنرال جيسي ميللر قادما من غوانتامو، من اجل تبييض الصورة، دخلت السجن مع اربعة إعلاميين آخرين، في نفس البناية التي كانت الحادثة فيها قد وقعت، مؤلف من طابقين رأيت سجينات في غرف انفرادية بأبواب حديدية في مخلتف الاعمار، احداهن كما كانت تبدو في خمسينيات العمر، نظرت الينا نظرة عميقة و كانت بالزي التقليدي و بيدها سبحة، خرجنا، و كانت الغرف التي لم نرها من الجهة الخارجية للبناية سيئة الصيت منذ عقود طويلة فيها فتحات، عدد منهم اخرجوا ايديهم ملوحين بمناديل ملونة او مناشف، نظرت ملتفتا بين فينة و أخرى اليهم، تحدثنا مع المدير الجديد للسجن، لم ينكر لان القضية غير قابلة للنكران، لكنه وعد بعدم التكرار و الالتزام ….
الأعلام العراقي الرسمي و غير الرسمي، صرف الكثير من الوقت في التغطية على حادثة التعذيب، و كان كما هو الان، ان الاحتلال لابد ان يرحل و هؤلاء لا يحترمون العراقيين أهل النخوة و الغيرة و سوف نلقنهم درسا مؤلماً…
اليوم و بعد مضي 16 سنة، و نقل السيادة و الحكومة الوطنية، و لجان حقوق الإنسان، و الشرطة الوطنية، المشهد يتكرر، لكن هذه المرة بأيد عراقية وطنية – حكماً-، و الفضيحة أن فيديو مشهد التعذيب المهين للطفل – محمد- حدث على أيدي قوات حفظ النظام….يا للويل …..طفل يتيم، يافع، معزول القوة كلياً، يُهان بشكل وحشي على يد من يلبسون الزي الرسمي ( العراقي)، ظهر الفيديو الى العلن في 1-8-2020 ثاني يوم عيد ألأضحى، كل جرمه انه متظاهر…
مؤلف كتاب ( علم النفس السياسي) دايفيد باتريك هوتون، عندما يتحدث عن نظرية التفاحة الفاسدة يستشهد بجملة وقائع، منها واقعة سجن ابي غريب، حيث يشرح و هو ينظر في خضم التحليلات النفسية عن سبب إقدام جنود أمريكيين على تعذيب و انتهاك حقوق و كرامة الانسان، في حين إن مهمتهم بالأساس هو حماية الحقوق و الحفاظ على كرامة الإنسان ؟
مالذي تغيّر في هؤلاء الجنود ؟ هل إنهم كانوا فاسدين في وسط نظيف ؟ أم إنهم كانوا نظيفين لكن الوسط – الصندوق – كان فاسداً، فأفسدهم الهواء الملوث داخل الوسط الذي عاشوا فيه ؟
ألأجوبة مختلفة، نحن هنا لسنا بصدد مناقشة إختلافات علماء النفس السياسي، بل بصدد إقرار ان التفاحة الفاسدة أو الصندوق الفاسد، أين كان الفساد يكمن، لابد من التخلص منه، و تنقية الاجواء و زرع بذور صالحة..
تعذيب محمد لا يختلف عن الكثير من الحالات التي تظهر على السطح داخل المجتمع، و خلال جائحة كورونا ظهرت الكثير من النتوءات و النقاط السوداء في الجسم الانساني العراقي، كقصة ملاك الزبيدي التي احترقت أمام نظر أهل زوجها، القضية في هذه الاحوال لها جانبان، التربية العائلية، و التربية الرسمية و اخلاق الوظيفة، لاشك ان للتربية العائلية دور لا يضاهى في هذه الممارسات، لأن من يملك قلباً شرساً متوحشاً لا مفر من الاقرار بوجود خلل في تربيتي او الحياة التي قضاها قبل ذلك، ثم يأتي دور الصندوق، أي المؤسسة التي يعمل فيها هذا المخلوق، التوجيهات المعنوية التي تكون الاتجاه العقلي و النفسي للجندي أثناء أدآء واجباته…
في العراق الكثير من المنظمات التي تعتني بحقوق الانسان و تدريس القانون، في البرلمان لجنة حقوق الإنسان، مفوظية حقوق الإنسان، البعثة الأممية، كلها من واجب الحكومة توظيفها في سبيل تربية التفاحات الفاسدة و تنقية الصندوق الفاسد، ورمي العنصر الفاسد حتى لا يعدي بجرثوماته العناصر الصالحة…
و الحق إن المطلع على الوضع العراقي منذ عام 2003، يلحظ أن الاحداث الاثنية و الطائفية التي مرت بها البلاد، خلقت نوعا من حس الازدراء للإنسان، نوعا من السادية في التعامل مع الآخر، عندما يتأمل الإنسان ما فعله تنظيم اللادولة بالانسان الآخر أو المخالف من ممارسات وحشية – مثل منظر حرق الطيار الاردني وهو حي داخل قفص للحيوانات في الرقة- و ما حدث في ابي غريب وصولا غلى اهانات قوات حفظ النظام ل – محمد-، يعتنق بأن الروح السادية التي تتلذذ بتعذيب و اهانة المقابل متفشية من مكان للآخر و ان لم يكن تفشياً عاماً، انتهاكات السجون و التعدي على النساء و الرجال أثناء الغارات و سلب ممكتلكات النازحين، كل واحدة منها تكون جزأً من المشهد اللاإنساني المؤلم….
غيرب ان نلوم الدول الأخرى بالنظر الى العراقي نظرة شبه دونية في بعض الأحيان، و نحن نرى النظرات الدونية لبعضنا بعضاً…
…. ياربي أي دَرْك و صلنا إليه ….
الإنسان مكون من روح ومادة، أساس المادة وفق المنطق القرآني هو التراب، والماء “إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ” (سورة ص 71)، والطين له خصائصه، غير خصائص الروح التي بها أصبح بشرا، وبامتلاك الصفات والمؤهلات والخصائص القيمية يكون إنسانا، فإذا تردى البشر إلى الطور الأول من مسار خلقه يفقد خصائص الروح ويعود طينا وترابا كما يقول الشيخ محمد الغزالي، من سواد الوجه والخشبية والعفونة وإصدار أصوات مزعجة، فالطين -الفخار- النفخ فيه يصدر الصوت وضربه كذلك.. فمن يعود على عقبيه إلى مستوى الطين والفخار، لا يمتلك أية قيمة إنسانية فهو “مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ” (سورة الحجر 26).
شاهد أيضاً
خداع الروابط: وهم العلاقات الزائفة”
في عالمٍ يُشبه المتاهة، حيث تتشابك الطرق وتتقاطع المصالح، تغدو العلاقات الإنسانية مرآة تعكس لنا …