د. طارق عبد الحافظ الزبيدي
ابتدأ ان الكتابة و الدفاع عن المرأة مسالة في غاية الاهمية و الحساسية و الغالب الاعم يكون الدفاع من الباحثات و الكتاب من النساء ( النسوية الاكاديمية ) ، و كثير من الكتب التي تناولت موضوع المرأة اعتمدت فكرة جوهرية مفادها ( ان المرأة الغربية قد حصلت على كامل حقوقها مقابل المرأة العربية التي فقد كامل حقوقها ) ، هذا الفكرة تحمل في ابعادها مغالطات كثيرة ، ولعل من ابرزها ان ظلم المرأة لا يتحدد بجغرافية معينة و لا يمكن ان يتحدد بدين معين ( قد توجد امرأة واحدة مظلومة في مجتمع منصف و قد توجد امرأة واحدة مكتسبة الحقوق في مجتمع ظالم او العكس ) ، بمعنى ان المعيار يجب ان يكون طبيعة التعامل معها هو الذي يحدد معيار الظلم و العدالة ، لذلك اعطاء حكم قطعي عن ظلم المرأة في المجتمعات العربية تفتقر الى الموضوعية ، لكن هذا لا يعني ان المرأة العربية قد حصلت على حقوقها على العكس وقع عليها ظلم واضح على طول التاريخ ، لكن هذا لا يصفر النسبة عند الغرب .
بالرغم من ان كتابة المقالة فيها حرية كبيرة للكاتب من حيث المنهجية العلمية و المفردات الاكاديمية و الترابط بين اشكالية الدراسة و فرضيتها ، لكن هذا لا يمنع من اعتمادها في كتابة المقالات لأن ذلك سوف يعطي قوة للمقالة و ليس العكس ، لذلك فان اشكالية الموضوع تتحدد بسؤال جوهري يساله كل من تطرق لموضوع المرأة بشكل العام و في العالم العربي على وجه الخصوص ، من ظلم المرأة هل الاسرة ام المجتمع ام السلطة ام الدولة ام القانون ام الدين ام القراءات الدينية ؟ ام هي ذاتها ظلمت نفسها ؟ و السؤال الاكثر عمومية هل المرأة فعلا مظلومة ام ان مسالة مظلومية المرأة تدخل في اطار التوظف السياسي من قبل الدول الغربية اتجاهها .
تنطلق المقالة من فرضية مفادها ( ان المرأة بشكل عام و العربية بشكل خاص قد ظلمت و هذا ليس فيه جدال و لكن الذي ظلمها بالدرجة الاساس المجتمع ، على المجتمع يقع العبئ الاكبر في الظلم ، لماذا لان جميع ما ذكر من تقسيمات ( سلطة – دولة – قانون – القراءات الدينية ) ما هي الا نتاج من نتاجات المجتمع ، و الدليل الاخر هو ان المجتمع عندما يرتقي و ينتقل من القبلية الى المدنية ومن الفوضى الى القانون تصبح حياة المرأة و حقوقها في هذا المجتمع اكثر رصانة ) .
و يمكن مناقشة جميع الآراء المناقضة للراي الذي نتبناه ، هناك رفض لجعل المجتمع هو الاساس في ظلم المرأة لاعتبارات ممكن مناقشتها :
- المجتمع غير مسؤول عن اعطائها الحقوق ، بل القانون .
- المجتمع غير مسؤول عن ظلمها داخل الاسرة ، بل العادات و التقاليد .
- المجتمع غير مسؤول عن بناء الشخصية المعنوية ، بل المرأة ذاتها .
- المجتمع غير مسؤول عن كفايتها الاقتصادية و الاجتماعية ، بل الدولة .
- المجتمع غير مسؤول عن تمكينها السياسي ، بل السلطة التي تمتلك وسائل القوة .
- المجتمع غير مسؤول عن ظلم القراءات الدينية ، بل المسؤول هو المختص بالتفسير الديني .
ان الآراء التي سبقت هي مضادات الفكر التي اتبناه من ان المجتمع هو المسؤول عن ظلم المرأة ، لكن هذا لا يعني عدم مناقشتها وفق طريقة الراي و الراي المضاد ، بل دائما ما تعرف الافكار من خلال نقائضها ، مما استوجب مناقشة كل راي بفقرة منفردة كما ادناه :
- انا اتفق مع من يقول ان الحقوق تمنح من خلال اصدار القوانين لكن لا تفق مع من يقول ان المجتمع ليس له دور في ذلك ، بل العكس تماماً ان المجتمع اذا ما اراد ان يعزز الحقوق يستطيع ان يشرع قوانين كثيرة داعمة للمرأة ، فدور المجتمع فعال في اطار الانظمة الديمقراطية كون البرلمان ما هو الا انعكاس للمجتمع كون الاخير هو الذي انتخبه .
- صحيح ان الظلم الاسري في غالبة الاعم ناجم عن عادات و تقاليد مجتمعية ( جاهلية ) ، لكن لو كان المجتمع مثقف و لديه وعي بدور المرأة و اهمية و جودها داخل الاسرة بعدها مدرسة ان اعددتها اعدت شعب طيب الاعراق ، بعد ذلك هل يستطيع الاب او الزوج او الأخ ان يتجاوز ام يصبح ذلك عيب بالمصطلح الاجتماعي ، وبذلك وبفعل المجتمع الواعي يتحول العيب سلاح يدافع عن المرأة بدل ما كان سلاح يوجه ضدها .
- ان شخصية المرأة هي شخصية قوية ليست ضعيفة بل المجتمع بسبب تراكمية النظرة الذكورية السلبية جعل البعض و ليس الكل من النساء ان تكون غير واثقة من دورها في الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية بل و حتى دور التصدي للقيادة و الزعامة .
- الراي الذي تبنى فكرة ان المجتمع غير مسؤول عن كفايتها الاقتصادية و الاجتماعية بل الدولة هي المسؤولة صحيح ذلك ، لكن اي متخصص بالعلوم السياسية يعرف جيدا ان المجتمع ( الشعب ) ركن اساسي و جوهري من اركان الدولة ، و هذا المخرج بحد ذاته يمثل رد واقعي يجعل من المجتمع المسؤول عن تمكين المرأة ، فعندما تتغير نظرة المجتمع لطبيعة عمل المرأة و امكانية خروجها من المنزل ، و يمكن لها ان تفتح مشروع خاص دون النظرة الدونية التشكيكية من قبل بعض افراد المجتمع ، عند اذ تتحول المراة من متلقي للأموال من قبل الرجل ، الى دور المانح للأموال ، و الادق من ذلك يصبح دورها تشاركي ، بمعنى ان المرأة ستساهم مع الرجل في ادارة شؤون الحياة .
- يؤكد البعض ان المجتمع غير مسؤول عن تمكينها السياسي ، بل السلطة بفعل امتلاكها لوسائل القوة المادية و المعنوية ، صحيح ذلك لكن لولا ضغط مؤسسات المجتمع المدني و هي من اهم مخرجات المجتمع لما استطاعت المرأة ان تدخل الحياة السياسية ، فدور المجتمع هنا اهم من دور السلطة السياسية بل العكس دور الاول ضاغط على الثاني ، وغالباً من تخضع السلطة السياسية لمتطلبات التمكين بفضل ضغط المجتمع .
- بالرغم من جميع الردود العلمية السابقة ، يبقى النقاش عن فكرة المجتمع غير مسؤول عن ظلم القراءات الدينية هي فكرة مهمة جدا ، بل المسؤول هو المختص بالتفسير الديني انا لا اختلف مع هذا الراي لكن من اين هذا الذي يقوم بالتفسير اليس هو من رحم المجتمع ام من خارجه ، هنا لابد من القول ليس من باب الدفاع عن الدين الاسلامي بل الحق يقال ان افضل دين اعطى حقوق للمرأة هو الدين الاسلامي ، لكن الحديث عن الدين غير و الحديث عن التفسيرات الاسلامية غير ، ( فالأول نصوص ثابتة و الثانية قراءات متحركة ) فالنصوص مرت بتفسيرات متعددة و تدخلت فيها ابعاد سياسية من جهة و ابعاد قبلية عربية من جهة اخرى ، لذلك من وجود مجتمع ديني منصف يؤمن بروح النص الذي ساوى بين الرجل و المرأة في عملية الخطاب ( يا ايها الذين امنوا ) ، ( يا ايها الناس ) ، ( وبشر الذين امنوا ) ، فالخطاب القرآني خطاب موحد لم يوجه للرجل بشي مخصوص بل التوجيه للرجل و المرأة على حداً سواء ، اما باقي التفاصيل بخصوص ( الشهادة- الارث وغيرها ) التي ذكرت في القران الكريم فقد وردت حوله دراسات و قراءات كثيرة ، الموضوعية منها بينت اهميتها للمرأة و عدم ظلمها ، بل على العكس فعلى سبيل المثال لا الحصر ان الحديث عن نصف الحصة في الارث هي في حقيقتها اكثر من حصة ، كون المرأة سوف تحصل على حصة الرجل الزوج و الذي هو مسؤول عنها وفي نفس الوقت سوف تحصل على نصف حصة زائدة تحصل عليها من بيت اهلها ، تكون ملكها غير ملزمة لاعطائها للزوج او صرفها على العائلة ، لكن ظلم المجتمع الذي نتحدث عنه يخالف حتى نصوص الله تعالى ، فالكثير من العوائل مع الاسف تحرم المرأة من الارث نهائياً او شكلياً دون تحديد نصف حصة ، بحجة ان المال مال الاب و الابن هو الاولى ، فالمجتمع ظلم المرأة قبل ظلم المفسر الديني .
خاتمة القول ان التوظيف السياسي من قبل بعض الدول الغربية لموضوع حقوق المرأة غير مسؤولة عنه تلك الدول ، بل المسؤول عنه المجتمع الذي سمح بظلم المرأة و سمح لوجود ثغرات كثيرة للتدخل الاممي او الدولي او الاقليمي ، فعندما تعزز حقوق المرأة العربية عن اذ تسقط جميع الحجج و المبررات التي تجعل تلك الدول تتدخل بشكل مباشر او غير مباشر ، وهنا لسنا نبرر التدخل و لا ندافع عنه ، بل نرفض رفض قاطع ان تتدخل اي جهة بالشأن الداخلي لكن ننتمى ان تنتهي مبررات التدخل قبل الحديث عن التدخل ذاته ، لان هناك حقيقة لا يمكن لأي متابع ان يخفيها و هي ان المرأة العربية تعاني من مشاكل كثيرة ذكرت بشي من التفصيل و الاساسي في ذلك هو الوعي المجتمع ، واكبر دليل على تأثير المجتمع على ظلم المرأة ان المرأة التي تعيش في ظلم مجتمعات متحضرة قد تحصل على حقوق اكثر بكثير من المرأة التي تعيش في مجتمع فيه الجهل و القبيلة و الخرافة منتشرة ، لذلك نؤكد و بإصرار ان المرأة بالذات العربية ليست ضعيفة بل المجتمع اضعفها و ظلمها .
جامعة بغداد/كلية العلوم السياسية