د. نبراس المعموري
يُعدّ قانون الاستثمار أحد القوانين الإدارية الاقتصادية التي تصدرها الدول لغرض تشجيع الاستثمار وتوزيع رؤوس الاموال ضمن مشاريع سواء الإنتاجية السلعية أو الخدماتية وفق اطارها المحلي او اوسع من ذلك اقليمي و دولي حسب ما يتضمنه قانون تلك الدولة، و يترتب على هذا التنظيم الاداري والقانوني الفعلي لاحقا زيادة الانتاج الاجمالي المحلي و توسيع حجم المعاملات التجارية الخارجية، وفق ما يتوفر من فرص ترتبط بحجم رأس المال، ونوع العمل، و حجم القوى العاملة و مدى كفاءتهم اضافة الى نزاهة النظام الاداري المؤسساتي، و لهذا تسعى الدول لتنظيم قطاع الاستثمار قانونيا لمأسسة نظام اقتصادي رصين يعمل على زيادة الدخل القومي و تقليص البطالة و زيادة حجم الصادرات وخفض معدّل الواردات اضافة الى زيادة القدرة الاقتصادية و المنافسة.
بهذا الصدد حاول المشرع العراقي بعد 2003 سنّ قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 لايجاد بيئة قانونية للمستثمرين العراقيين والأجانب والنهوض بقطاع الاستثمار، ورغم الملاحظات التي سجلها المختصون بشان بعض مواد وفقرات القانون الا انه بالتالي وفر فرصة جيدة لتفعيل قطاع الاستثمار ضمن بيئة قانونية وجهة رسمية معنية به، خاصة ان القانون نص على ان الهيئة الوطنية للاستثمار هي الجهة الرسمية التي يقع على عاتقها رسم السياسات الوطنية للاستثمار ووضع الضوابط لها ومراقبة تطبيق الضوابط والتعليمات التي تختص بالمشاريع الاستثمارية الاستراتيجية ذات الطابع الاتحادي حصرا . كما نص القانون على ان تشكل في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم هيئات استثمار تتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيسها أو من يخوله , وتمول من موازنة الإقليم أو المحافظة ولها صلاحيات منح إجازات الاستثمار, والتخطيط الاستثماري, وتشجيعه، ولها حق فتح فروع في المناطق الخاضعة لها بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار لضمان حسن تطبيق القانون.
و بالرغم من ان قانون الاستثمار العراقي نص على منح المستثمرين امتيازات وإعفاءات جمركية وضريبية وتوفير الأراضي اللازمة للمستثمرين لإقامة المشاريع الاستثمارية، إلا أن ذلك ظل حبرا على ورق و ذلك لاسباب منها :
- المعرقلات التي اثارتها بعض الجهات المتنفذة من الاحزاب والكتل لاعتراض طريق المستثمرين الحقيقيين.
- البيروقراطية الإدارية التي تعاني منها المؤسسات، التي مثلت حجر عثرة أمام تنفيذ المشاريع الاستثمارية.
- رغم نص قانون الاستثمار على إلغاء العمل بأي قانون يتنافى مع نص قانون الاستثمار، الا ان الوزارات المعنية لغاية الان لا تعمل به.
- تحدي الملف الأمني المتمثل بالمجاميع المسلحة والنزاعات العشائرية و فرض بعض الجماعات الخارجة عن القانون، (الإتاوات ) على الشركات وتهديد مصالحها وعمالها في حال عدم دفع تلك الإتاوات، الأمر الذي دعا العديد من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في العمل والإستثمار في العراق.
- معوقات ادارية تتعلق بتخصيص الأراضي اللازمة للاستثمار لاسيما في القطاع الخدمي والزراعي .
- عدم تحديث دوائر التخطيط العمراني لمخططات المدن، و التي لا زالت تعتمد على كشوفات التخطيط العمراني لثمانينات القرن الماضي.
- تعدد الهيئات المعنية بالاستثمار و خضوعها لتصنيفات المحاصصة بعيدا عن الكفاءة والاستقلالية ادى الى عدم وجود ادارة مركزية لادارة هذا الملف مما زاد من نسبة الفساد المالي والاداري.
- لم يرسم المشرع العراقي الاليات المناسبة للاستفادة من الاموال الاجنبية لاسيما عند مشاركة راس المال الوطني للمشروع الاجنبي المستضاف في العراق
- لم يلزم القانون المستثمر الاجنبي بنقل تكنولوجيا صناعته الى العراق.
مضى اكثر من 14 عام على اقرار قانون الاستثمار العراقي ولغاية الان تعاضد كل من تسنم رئاسة الحكومة على تضمين تصريحاته وبرنامجه الحكومي ملف الاستثمار وتطويره وتشجيعه؛ باعتباره اللبنة الاساسية التي يمكن من خلالها النهوض بالواقع الاقتصادي خاصة بعد ارتفاع نسبة البطالة والفقر والذي سجل حسب الاحصائية الاخيرة لوزارة التخطيط في بعض المدن نسبة اكثر من 50% وبالذات في مناطق الجنوب والوسط الا انه لغاية الان لم نشهد عمل ميداني حقيقي بهذا الصدد ما عدا اقليم كردستان الذي نظم استثماره ضمن صلاحيات الاقليم والهيئة التي انيطت لها هذه المهمة . كذلك تراجع ملف الاستثمار و اصطدام المحاولات الحكومية باجراءات وقرارات وافعال من قبل احزاب و كيانات ذات سطوة وهيمنة على عمل وزارات سيادية، مما جعل كل ما تضمنته البرامج الحكومية حبرا على ورق.
و امام توسع تداعيات الازمة الاقتصادية وتبني حكومة السيد مصطفى الكاظمي مجموعة اصلاحات تباينت بين امنية واقتصادية لذا اذا ما اردنا تفعيل قطاع الاستثمار فعلينا بالتالي:
-اعادة تنظيم وترتيب الاطار المؤسساتي للهيئة الوطنية للاستثمار والهيئات الفرعية بعيدا عن المحاصصة و سطوة الاحزاب
-استحداث جهة رقابية داخل جميع هيئات الاستثمار يكون ارتباطها بالحكومة مباشرة وليس بهيئات الاستثمار لغرض متابعة سير الاستثمار وتضييق حلقة الفساد المالي والاداري. - التخفيف قدر الإمكان من التحكم الحكومي والحزبي في المشاريع الخاصة ذات المردود الوطني من خلال القضاء على البيروقراطية الإدارية التي تعاني منها المؤسسات.
-تفعيل المعالجات القانونية من خلال تطبيقه ونفاذه على الجهات والمجاميع المسلحة التي تعترض عمل شركات الاستثمار. - فتح باب الاتصال والتعاون مع الدول التي قطعت شوطا مها في الاستثمار دون انحياز لدولة على حساب دولة اخرى .
- تقديم الدعم والتمويل الماليّ، وخاصّة في مجال الزراعة، أو تقديم العلاجات المناسبة للأرض والنبات، ودعم الفلاحين.
- تسهيل إجراءات الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة، للبدء في المشروعات الجديدة خاصة المشاريع التي تستقطب اكبر عدد ممكن من الشباب العاطلين عن العمل.
- محاربة الاحتكار و وضع تعليمات واجراءات منافسة مهنية وموضوعية بين التجار.
-دعم المنتجات الوطنية، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتيّ النسبي وخاصة في مجال الأغذية. - توفير التقنيات الصناعية واستثمار ابنية المعامل والمصانع التي تم غلقها بشكل مقصود او غير مقصود، والحرص على عدم تهجير الأيدي العاملة والكفاءات.
- تحديث دوائر التخطيط العمراني لمخططات المدن.
-محاربة الفساد بكافة أشكاله، والحرص على التوزيع العادل للموارد المختلفة، بصورةٍ تضمن إلغاء الطبقية.
-وجود قضاءٍ نزيه للفضّ بين النزاعات المختلفة التي تتعلق بالاستثمار . - مطالبة مجلس النواب بتعديل قانون الاستثمار بما يضمن العدالة والمصلحة الوطنية.