أبجدية “التبسي”

حمزة مصطفى
حازت العادات الغذائية للشعوب على النصيب الأوفر من الحديث بعد جائحة كورونا هذا العام (2020). هذه الجائحة التي ظهر بالدليل القاطع أن المتسبب الرئيس فيها عادات غذائية خاطئة من وجهة نظرنا على الأقل ينفرد بها الصينيون وبعض البلدان الأسيوية ,لاسيما تناول أنواع معينة من الحيوانات والحشرات تبدأ بـ “باجة الكلاب” الى حساء الضفادع مرورا طبعا بمقلي الخفافيش وسواها.
الصينيون وبعض الأسيويين ممن يقيمون في بلداننا لهم أيضا تصوراتهم المختلفة عن عاداتنا نحن الغذائية التي تبدأ بالباقلاء بالدهن الحر قدورية الهوية مرورا بمشاوي التكة والكباب زرورية الإنتماء وصولا الى مسكوف أبي نواس الذي تحول الى أيقونة غذائية عالمية وبينهما قوزي إبن سمينة أو كبة السراي أو باجة الحاتي وإبن طوبان وما بينهما من أكلات غذائية ذات طابع منزلي مثل تشريب الباميا أو الفاصوليا على التمن أو التبسي الذي هو عنوان مقال هذا الأسبوع, فضلا عن باقي أنواع الغذاء الخفيف كالمثرودة أو المسمن, أوالمخلمة أو العروك أو .. محروك إصبعه.
مع ذلك فإنني لا أعرف إن كانت قائمة طعامنا تتفوق من حيث العدد والكم على قائمة الطعام الصينية (خفافاشية الهوية) أو الإيطالية (سباكيتية الهوية) أو الهندية (بهارية الهوية) أو الأميركية (بركركية الهوية) أو تقل. أو تحتاج الى تخريجة ماركسية على غرار مفهوم ماركس عن النمط الأسيوي للإنتاج الذي لم يكن من بينه عادات هذه الشعوب الغذائية التي شكلت جزء من شخصيتها ونمط ثقافتها ووعيها المجتمعي قبل العولمة وبعيدا عن الحتمية التاريخية.
بالعودة الى التبسي العراقي فإن تحليل مكوناته الرئيسية وهي الباذنجان والطماطة فضلا عن مكملات أخرى طبقا لنوع التبسي يمكن أن تعطينا تصورا عن طبيعة هذه الأكلة وعلاقتها بالعراقيين في ظروف مختلفة. هناك فرق بين تبسي لحم أم تبسي دجاج أم مجرد خلطة من طماطة وباذنجان وبصل وفلفل أخضر وزيت وبالتالي هو أقرب الى المرقة منه الى التبسي. وبصرف النظر عن المكونات فإن العلاقة بين الطماطة والباذنجان تحولت بالنسبة الى المواطن العراقي علاقة حاجة وأمن غذائي أكثر مماهي علاقة مطبخ وقائمة غذاء. في التسعينات من القرن الماضي أسعف الباذنجان العراقيين أثناء جائحة الحصار بحيث تسيد الأسود أو وحش الطاوة مثما أطلق عليه أكلات العراقيين. وفي ظل تلك الصعوبات التي فرضها الحصار الإقتصادي الشامل والقاسي على الناس بات الباذنجان يوصف بأنه صديق العائلة.
الآن وفي ظل نمط آخر مما يدخل في سياق الأمن الغذائي برزت الطماطة الى الواجهة بوصفها أكثر المنتجات الزراعية مظلومية بسبب كثرة المعروض الوطني منها بينما لم تتوقف الطماطة المستوردة ومعها قائمة أخرى من الخضر والفواكه التي تواصل إزاحة إنتاجنا الوطني بإارادة الفاسدين السياسية.
هنا بات الأمر مختلفا لجهة كون الباذنجان غطى على مايمكن عده كارثة على صعيد الأمن الغذائي بسبب منع الإستيراد بقرار أممي, بينما اليوم نعاني من فتح أبواب الإستيراد بدون ضوابط بينما إنتاجنا من الطماطة وعدد آخر من الخضر والفواكه يفيض عن الحاجة المحلية ويهئ قاعدة للتصدير. لكن يبدو أن كروش الفاسدين تكبر فقط مع المستورد بوصفه أحد الحلول الوطنية العابرة لكل أشكال الهويات العرقية والطائفية طالما أن الأمر يتعلق بـغسيل أموالهم التي لاينظفها حتى .. حسوني الوصخ.

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!