عدنان أبوزيد
الحياة قبل كورونا ليست كالتي بعدها، هذا ما تجتمع عليه النخب السياسية والأكاديمية والفكرية الغربية، وقالها بجلاء السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر، بان كورونا يقلب النظام العالمي.
المشترك بين الشعوب، انها لم تمتثل لفايروس الاكليل، لكنها عكست صورة تشاؤمية عن الحاضر، وحتى المستقبل،
بعدما تيقّن للجميع، ان المباغتة يمكن ان تحدث في اية لحظة، ليس من شبّاك السياسة والحروب، بل من الطبيعة والخلقة.
انحسر دور الاحداث السياسية، الى حد كبير، وانسحب أصحاب القرار الى الغرف، وأصبحت الريادة بيد أصحاب الاختصاص من الأطباء والممرضات والمعلمين وسائقي الشاحنات وجامعي القمامة والعاملين في المتاجر وعمال الأرصفة.
في العراق، بشكل خاص، بدت المفارقة واضحة، فعلى الرغم من الظروف الاجتماعية والسياسية الخاصة التي تتحكم في البلاد، اظهر الناس، الإيجابية، وجنوح الى التعاضد، في وقت كان الناس يموتون في مدريد كل 15 دقيقة.
يعيش العالم، فيلم ارتياع حقيقي، لكنه يتعلمّ من المحنة الكونية الشاملة، الكثير. وفي مجال البيئة كانت هناك إيجابيات،
إذ انحدر التلوث الى أدنى مستوياته، بسبب خمود حركة السيارات والقطارات، وصارت السماء أنقى من دون طائرات.
أكثر من ذلك، فان الحياة لن تعود الى انسيابيّتها كما في السابق، من دون التركيز على الصحة والرعاية، وهو أمر
بدأت الدول تفكّر فيه، أكثر من أي وقت آخر.
التصورات تفيد ان المستقبل على رغم التطيّر، سيكون أكثر إيجابية، بمدارس أفضل، وبعدد أقل من التلاميذ، وهو أمر يجب ان يُأخذ في الافتراض في العراق تحديدا، الذي يجب عليه تدعيم نظام تعليمي عبر الإنترنت.
الغبار الناعم سيكون أقل، والأنهار أكثر نقاءً، وهو ما أدركته الصين التي يموت فيها نحو المائة ألف انسان سنويا بسبب تلوث الهواء، فيما العلاقات الجنسية ستكون أكثر محافظة وتنظيما.
الدول تشيّد المستشفيات في مدد زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهر او الشهرين، وكل مدينة ضاعفت من اعدادها المشافي ومراكز العلاج.
شركات الطيران تلقي نظرة فاحصة على سياسات النظافة، وتحرص على فلترة الهواء وتعقيم المقاعد، بل ان ستيفن فان دير هيجدن، الرئيس التنفيذي لشركة Corendon يقول أن النظافة ستصبح الاستراتيجية التنافسية الجديدة لشركات الطيران، بل سيكون مهما جدا تصميم المقصورات بمقاعد أكثر تباعدًا حتى يمكن الطيران، بأمان.
المتاجر، والجامعات والمدارس شرعت في إجراءات التعقيم اثناء الدخول والخروج، والتواصل عن مسافات امينة.
قطاع النظافة والصحة، هو الذي يوجّه العالم ويقوده، محقّقا أرباحا هائلة لمنتجات التعقيم وملحقاتها.
في أوربا، حيث دور السينما مغلقة، أصبحت المشاهدة افتراضية، وانحسرت الحفلات الغنائية الضخمة، وأصبح بإمكانك المشاركة فيها عبر شراء بطاقة افتراضية على النت. وفي 19 مارس الماضي، أعلِن عن الحفل الفني الرقمي الأول في بث مباشر من العاصمة الهولندية، أمستردام. على هذا النحو أصبح من المتعذّر، الذهاب الى الحفلات والمباريات والمنتديات الحية.
تزداد أهمية الحاسوب والتلفون، وبطاقة الدفع الالكتروني، وكل وسيلة تجعلك في اتصال مع الآخرين، لكن بعيدا عنهم.
تتقصى الأبحاث، دور الوباء في كشف الحقائق الكامنة للمجتمعات، منها ان الانسان يقسو على الطبيعة كثيرا، ويعامل الحيوانات بطريقة بشعة، ولم يكترث لتغيّر المناخ والعولمة الاحتباس الحراري، وأبخس كثيرا فوائد نظام الفردية، فيما صار واضحا ان النظام الذي يسيّر العالم اقتصاديا وسياسيا لم يكن مفيدا بالشكل المتخيّل، وفي حقيقته فانه نظام مجرد من الرعاية لاسيما في بلدان العالم الثالث، حيث المصالح الحزبية والخاصة تتفوق على المصلحة المشتركة، في ظل حياة تسودها عدم المساواة والاستقطاب وتقويض المؤسسات.
لن تنتهي الشدائد التي تصطدم العالم، من الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، العام 2001، والأزمة المالية العام 2007، والكارثة النووية في فوكوشيما، العام 2011، وأزمة الطاقة والمناخ، الأمر الذي يفرض على العالم، نظاما جديدا، يتيح فرص التعاون ونشر السلام وتطوير المجتمعات، بدلا من إنفاق الأموال الطائلة على الأسلحة والحروب.