النفوذ الناعم المختلط.. تغير استراتيجية النفوذ الأمريكي تجاه العراق

د سعد السعيدي

انشغلت مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة منذ فترة ببحث قضية مهمة بالنسبة لصناع القرار السياسي الخارجي الأمريكي تستدعي ايجاد خيارات بديلة مناسبة للتعامل معها الا وهي كيفية الحفاظ على النفوذ الأمريكي في العراق وتعزيزه بعد ان ساهمت الجهود الإيرانية واخطاء الإدارة الأمريكية بتراجع هذا النفوذ الى حدٍ كبير وعلى الرغم من سرية او على الأقل ضبابية المخرجات التي أفرزتها جهود مراكز الأبحاث الأمريكية كونها تتصل بالخطط المستقبلية الموضوعة للتعامل مع وضع معقد للغاية ولا يمكن الإفراج عن المعلومات المتعلقة به بهذا الوقت الا اننا يمكن ان نستنتج نقطة واحدة على الأقل في غاية الأهمية من بين النقاط التي ستشكل استراتيجية الولايات المتحدة القادمة للإبقاء على النفوذ وتعزيزه: تتمثل بضرورة التحول من توظيف القوة الصلبة المتمثلة بإظهار القدرة الدائمة على استخدام القوة العسكرية ضد الخصوم لا سيما إيران وحلفائها في العراق والمنطقة الى التركيز على توظيف القوة الناعمة المختلطة والتي تعني التركيز على أسس جديدة لإدارة العلاقات مع العراق قوامها الحوافز والمغريات ذات الصلة بالمزاج الشعبي في اطار استثمار ذكي للظروف الصعبة المحيطة بالعراق على ان تستتبع استراتيجية الحوافز بأيحاء غير صريح للعواقب الوخيمة التي يمكن ان تلحق بالعراق في حال امتناعة عن التعاطي إيجاباً مع هذه الحزمة الجديدة والتي يمكن ان تكون عواقب اقتصادية او سياسية او حتى عسكرية على المدى البعيد وربما القريب وهذه الوصفة برأي المفكرين الاستراتيجيين تعد منطقية ومنصفة ومرنة للطرفين وتحد من النفوذ الإيراني في حال الشروع بتطبيقها .. وما يثير الدهشة بالنسبة لدي على الأقل ان هذه الاستراتيجية استوحت في بعض ملامحها من استراتيجية تنظيم القاعدة التي تم تطبيقها في محافظة نينوى عام ٢٠٠٦ حيث ترك التنظيم أمور السيطرة على مراكز صنع القرار السياسي والأمني في المحافظة للأمريكان والحكومة العراقية في حين انه سيطر على القرار نفسه عبر السيطرة على مجتمع المحافظة واليوم يحاكي الأمريكان هذا المثال عبر سعيهم الى تصحيح اخطائهم السابقة عندما كانوا يركزون على السيطرة على مركز القرار بالعراق اعتقادا منهم على انه الأساس في ديمومة نفوذهم مقابل ترك الجوانب الأخرى للإيرانيين والتي تعاظمت عبر الزمن الى الدرجة التي أفرغت قدرات مركز القرار من مظمونها وادخلت الأمريكان في ورطة استراتيجية تستدعي اجراء عملية مراجعة وتداخل جراحي عبر استعادة النفوذ في اطار بيئة القرار وصنع القرار نفسه الا وهي البيئة المجتمعية التي تحرك الرأي العام وتضغط على خيارات صناع القرار … لكن كيف يمكن للأمريكان فعل ذلك وهم يفتقرون لأدوات القوة الناعمة التي يمتلكها الإيرانيون في العراق والتي تتمثل بالتقارب المذهبي والولاء العقائدي والتعاون السياسي الوثيق مع جهات سياسية عراقية نافذة بشكل كبير ؟؟؟
يلاحظ المتابع ان هناك بعض الخطوات التي سيركز عليها الأمريكان في الفترة القادمة في هذا الإطار لتعزيز قوتهم الناعمة من بينها الآتي :
١- تعزيز قوة حكومة الكاظمي التي تعد اول حكومة تقاد من قبل شخص خارج منظومة القوى السياسية التي هيمنت على السلطة بعد عام ٢٠٠٣ ولا يتمتع بولاء لإيران وذلك عبر التفاوض مع إيران نيابة عن العراق في قضايا معينة بشكل سري كنوع من توفير الغطاء السياسي لحكومة الكاظمي لتخفيف الضغط الإيراني مثلما فعلت الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية لحماية كوريا الجنوبية او مع الاتحاد السوفييتي لحماية اوربا الغربية فضلا عن توفير الدعم الأمريكي في المحافل الدولية وانفتاح الدول الأوربية والغربية على العراق بشكل اكبر . وتشجيع القوى السياسية على إقرار قوانين سياسية مهمة تعزز نهج الاصلاح السياسي متمثلة بقانون الانتخابات والأحزاب وإصلاح مفوضية الانتخابات
٢- التركيز على الجوانب الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز التسلح ومراقبة منظومة القيادة والسيطرة واستكمال مفاصل المؤسسة العسكرية الحديثة كبديل عن التواجد العسكري المباشر وهذا الأسلوب يحقق اثرين الاول يتمثل بتخفيف الضغط عن الحكومة العراقية ألذي تثيره القوى العراقية الرافضة للتواجد الأمريكي والثاني يتمثل بمنح الولايات المتحدة مرونة اكبر في التعامل مع القوى العراقية المختلفة وسحب البساط من تحت قوى أخرى تصر على الاحتفاظ بسلاحها خارج اطار الدولة وبذلك سيعمل الأمريكان على تسهيل مهمة الكاظمي لاحقا بتقييد حركات الفصائل المسلحة ويمكنه من فرض سيادة الدولة على حدودها بما فيها اقليم كردستان .
٣- سيركز الجانب الأمريكي في الفترة القادمة على اختراق منظومة الحشد عبر تعديل سياسة التعامل مع الحشد حيث سينفتح الأمريكان على فصائل معينة من الحشد كتلك المرتبطة بالمرجعية او العتبة العباسية ويحاول استمالة فصائل أخرى ولائية مترددة بعد ان كان يطالب بحلها سعيا وراء تشكيل تحالف عراقي سياسي امني يقبل التعامل مع الولايات المتحدة كقوى دولية صديقة ولا يمانع من تحديد النفوذ الإيراني اذا اقتنع ان في ذلك مصلحة عراقية.
٤- لتدعيم هذا السلوك الأمريكي سيقوم الأمريكان بحملة دعم للاقتصاد العراقي المترنح عبر حزمة من الإصلاحات والاستشارات وقروض ميسرة ودعم وضمانات اقتصادية دولية ودفع لحلفاء الولايات المتحدة العرب المساهمة في إنقاذ العراق اقتصاديا عبر إعفاءات في الصادرات النفطية او تقديم قروض واستثمارات تعزز الوضع الاقتصادي الذي بات يمثل معيار للحكم الشعبي حول نجاح او فشل الحكومة والتلميح بنفس الوقت ان امتناع العراق عن التعاون مع الولايات المتحدة في هذا المجال يعني دفع تكاليف باهظة الثمن تفضي الى انهيار اقتصادي كبير والذي يتحمل المسؤولية حسب رأي الجانب الأمريكي عن هذا الانهيار هم القوى العراقية التي ترفض تطوير العلاقات مع الجانب الأمريكي خدمة لمصلحة دول أخرى .
٥- يمكن ان تجازف الولايات المتحدة هذه المرة وتدخل بثقلها كمستثمر لا سيما في مجال الخدمات مثل تعزيز قدرات الطاقة الكهربائية والغاز والقطاع الصحي والتعليم والبنى التحتية لتشكيل تأييد شعبي عراقي لوجودها من جهة ولقطع الطريق على الصين وإيران في السوق العراقية من جهة أخرى
٦- ستحاول الولايات المتحدة ترسيخ فكرة لدى صناع القرار وقادة الرأي العام وبعض الزعامات ان معادلة علاقة العراق بايران عبارة عن ان العراق يمثل فرصة لإيران تنتفع منه اقتصاديا وتوظفه سياسيا في حين ان معادلة العلاقة معنا ستكون على أساس ان الولايات المتحدة هي فرصة كبيرة للعراق للخروج من أزمته وليس العكس وقد يشكل العراق عبئ على الولايات المتحدة في حال أخفاق العراق في تنفيذ التزاماته بمعنى ان المستفيد من هذه العلاقة هو العراق .
٧- من المحتمل ان يعزز الجانب الأمريكي هيئة مستشاري الكاظمي بخبرات واستطلاعات ومعلومات مهمة تسهل عليه اتخاذ القرارات الناجحة.
٧- ان هذه الحوافز وغيرها في المجالات المختلفة برأي المفكرين الأمريكيان حسب اعتقادي كافية لفسح المجال أمام نمط جديد من النفوذ في العراق لكنها تبقى بحاجة الى عنصر الردع الذي يبقى حاضرا لدفع العراق الى التعاون في تطوير العلاقات مع الجانب الأمريكي متمثلة بالتلويح بامكانية استخدام القوة العسكرية والاقتصادية في حال التحق العراق بشكل تام بالمعسكر الإيراني .لاسيما بعد ان ادرك الأمريكان حقيقة ان جانب مهم من السلوك السياسي العراقي غير عقلاني يقوم على أساس هدر الفرص والتفريط بالمصالح الوطنية لمصلحة أطراف أخرى.

شاهد أيضاً

ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار

العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …

error: Content is protected !!