اختيار اضطراري…!

سعد الاوسي

نشاهد لعبة كرة القدم فنتحول فجأة الى لاعبين محترفين وحكام جهابذة نغضب ونلعن ونصرخ لان هذا اللاعب لم يمرر الكرة جيدا او ذاك ضربها ولم يصّب الهدف ، والاخر راوغ كثيرا ففقد الكرة….. !!!
وننسى ان هذا الذي نلومه ونشتمه قضى عمره كله في ساحات اللعب والتدريب وانه من مهارته واتقانه اختير ليلعب الكرة كمحترف يعيش على ممارسة هذه الرياضة الساحرة .
واننا سواء كنا في المدرج او البيت امام الشاشة (( بكروشنا المتدلية )) نتمنطق ونتعالم على اهل المهنة لاننا فعليا خارج ساحة اللعب ، نشاهد وننتقد ، ولو شاء الافتراض ان نكون على ارضها لاعبين راكضين لاهثين لما استطعنا ان نصل للكرة او نلمسها مع مهارة هؤلاء المحترفين الكبار.
ويبدو ان لغة الملامة والاعتراض هذه راسخة متأصلة عندنا في شتى مناحي الحياة، وبما لافتراضنا الواهم اننا الاعلم والافهم والاكثر خبرة دائماً !!!
وقد تجلى ذلك كاوضح مايكون في عالم السياسة منذ 2003 حتى الآن.
فجأة صرنا جميعاً محللين سياسيين وخبراء ستراتيجيين وعلماء سوسيولوجيين وباحثين انتولوجيين والعياذ بالله .
وصارت احاديثنا في السياسة اكثر من احاديثنا عن اولادنا واحوالنا واموالنا ونفاقنا على بعضنا .
وعلى الرغم من انني احد المعارضين المزمنين للحكومات بسبب فسادها وضعفها وسوء ادائها وفضائحها التي لاتنتهي ، الا انني في الوقت ذاته من اكثر المشجعين لها في اوائل عهودها، ايمانا مني بضرورة منح السياسي المتصدي للمسؤولية الزمن المنصف والفترة الكافية في ادارته لاختبار كفاءته وذمته واستبيان شكل مشروعه ومنهجه ووجهته التي سيأخذنا اليها، وذلك من صميم الواقعية السياسية التي يجب ان نجعلها ميزانا لاحكامنا على اداء الآخرين بعيداً عن الهتافات والثوريات والرومانسيات الشعاراتية التي خدعتنا وخدعنا انفسنا به ردحاً طويلا من الزمن.
واضعين امام انظارنا وقناعاتنا واقع حال يقول ان العراق محكوم بين فكي رحى القوة الايرانية المهيمنة عليه، وسطوة القوة الامريكية المهيمنة على العالم كله ، وهي صاحبة امتياز (تحرير) العراق باموالها وجنودها وعدتها وعتادها ، وذلك مايترتب عليه استحقاقات مادية وسياسية كثيرة حسب مايعتقد رئيسها الجديد رجل الاعمال دونالد ترامب.
من هنا ارى ان القرار السياسي العراقي في اغلبه مختطف مفروض ، مضغوط بشدة على متخذيه، فكلا الصقرين المهيمنين المتربصين (مع اختلاف حجميهما) يريد حصة اكبر من الآخر . ومن وجهة النظر الايرانية تختلط المطامع بالطموحات بالستراتيجيات اضافة لما يعتقدونه من استحقاقات تاريخية مع حق الشفعة في الهيمنة للجار وحق الدين والمذهب الواحد الذي تسعى ايرانية الى تحويله الى تبعية كاملة.
ولذلك كله يبدو لي حال من يتسنم المنصب السياسي الاول في العراق (التنفيذي تحديداً) بائسا ومزريا جدا ويدعو للتعاطف ، لان صاحبه الذي يفترض انه في اعلى هرم السلطة سرعان مايكتشف ومنذ بداية ايامه ان يديه مكبلتان وقدميه ترزحان بالحديد وعلى فمه الف رقيب عتيد !!!!
وهو مع ذلك مطالب بان يرضي الشعب تمام الرضا ويحقق مطالبه بذات الوقت الذي يسير فيه بحقل الالغام الخطير هذا !!!!
وقد استكمل السيد مصطفى الكاظمي كابينته الوزارية قبل ايام قلائل وبعد التي واللتيا وطويل مفاوضات وصراعات وغضب ورضا وامتناع وقبول من الكتل السياسية التي تشكل المشهد السياسي العام بسبب حضورها العددي في البرلمان .
وبدا واضحاً لي ولغيري ان السيد الكاظمي مجبر لا بطل في اغلب هذه الكابينة الوزارية، ولكن كما يقال (لم يكن بالامكان اكثر مما كان) كي يسير المركب قليلا في ظل المخاطر والمهالك التي تحيط بالعراق بسبب التعطيل السياسي منذ ثمانية شهور حتى الآن.
غير انني فوجئت حقاً بعاصفة الاعتراض والانتقادات الهائلة من جمهور (المتفرجين) على اللعبة السياسية من خارج ساحتها ، والذين يرون ان الكاظمي خانهم وخيب املهم لان (اول قصيدته كفر) كما يقال ، وان الاسماء التي اعتمدها سيئة جدا وفيها العبر وعليه الكثير من المؤشرات والاعتراضات !!!!
وكأنهم يقولون ضمنا ان الكاظمي هو الذي اختار هؤلاء جميعا وان الكتل السياسية المسيطرة على الساحة والمتحاصصة في السلطة منذ 2004 حتى الآن، لم يكن لها يد طولى واولى في هذا الموضوع، وان الرجل اضطر ان يسايرهم ويوافقهم من باب نصف العمى خيرٌ من العمى كلّه ، كي تتاح له فرصة تحقيق بعضٍ من برنامجه الحافل في هذه الفترة القصيرة وبظل واقع حكومي (اسود من قرن الخروب) استلمه من الحكومة السابقة ، بخزينة خاوية خالية تماماً وانهيار لاسعار النفط وتعطيل للحياة الادارية والسياسية بسبب ثورة الشباب في 25 تشرين اول ، مع خاتمة كارثية تمثلت بوباء كرونا الذي تزامن مع فاتحة عهده !!!!.
لا تظلموا الرجل باحكامكم المتسرعة والمتشنجة غير الموضوعية، فانتم تعلمون جيدا حال السياسة العراقية منذ 2003 حتى الان، صراع قوى وهيمنة كتل سياسية وسلاح ميليشيات منفلت وخراب اقتصادي ولصوصية وعمولات وهيئات اقتصادية للكوميشنات وبيع وزارات وموظفون وفضائيون وترهل اداري ورواتب رفحة ومنافع اجتماعية وامتيازات وسجناء سياسيون والرئاسات والنواب ووووووو …….. الى ماليس له آخر .
اعطوه فرصته الزمنية الكافية كي يعمل ، ولا تحملوا هراوات انتقاداتكم وسكاكين رفضكم المسبق لتقطعوا عليه الطريق قبل ان يبدأ.
تحلوا بقليل من الصبر ودعوه يعمل دعوه يمر ، لانه اذا عمل ومرّر مشروعه الحافل بالاحلام والطموحات العريضة فستنتفعون وينتفع العراق كله.
اجّلوا عاصفة غضبكم وصراخكم غير المبرر ضدّه ، ولو لقليل من الوقت ، ربما بضعة شهور ، فان لم يفعل ولم يفِ بما وعد لاسمح الله ، فسأكون معكم في طليعة الهاتفين ضده والمطالبين بتغييره.
اما اذا فعل ما قال ونفّذ ما وعد وغيّر واصلح وضرب حلقة الفاسدين وحاسب اللصوص والقتلة ، واعطى لشعبه حقوقه التي بدت مستحيلة في الازمنة السابقة، واثبت طهارة نيته ويده، حينها ستكونون – جميعا- مطالبين بالاعتذار منه والاحتفاء به ومساندته ومعاونته على اكمال طريقه معكم، لكي يكون الاسوة الحسنة الاولى في قيادة البلد بعيدا عن الدكتاتورية والظلم والفساد واللصوصية ومنطق الاستقواء والمحاصصة وكل الضيم الذي مر على العراق ، عراق الجمال والحضارة، الوطن المحسود الذي لم يذق طعم الراحة منذ زمان وآن له ان ينالها.

شاهد أيضاً

العراق وطن القلوب والحضارة

اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …

error: Content is protected !!