حمزة مصطفى
دخلت “الكمامة” حيز التداول اللغوي قبل نحو ثلاثة شهور من الآن. كممت أفواهنا في مفارقة ميتالغوية لم تألفها دراسات اللغة أو الدال والمدلول أو السيمياء أو السيميولوجيا من عبد القاهر الجرجاني في “دلائل الإعجاز” في القرن الخامس الهجري الى دي سوسير في العلاقة الإعتباطية بين الدال والمدلول بين القرنين 19 والـ 20, وبينهما تشومسكي في النحو التوليدي بين القرنين 20 و21, وليس بعيدا عنهم بن خلدون في القرن التاسع الهجري الذي تناول السيميا بوصفها “علم أسرار الحروف”. ترافق دخول الكمامة التي هيمنت بوصفها مدلولا قبل أن تكون دالا ومعها الكفوف التي هي علامة إيهامية يمكن أن نجد لها موطئا لدى رولان بارت في كتابه “إمبراطورية العلامات”, الى مجال اللغة بعد إنتشار وباء كورونا. هذا الوباء دخل الموسوعة تحت مسمى كوفيد 19المستجد . إستوطنت الكمامة الفم الذي يفترض أن يكون ناطقا بالمعنى اللفظي “الدال” الباحث عن معنى “مدلول” لكن في قلب الطبيب لا الشاعر هذه المرة.
بين الدال اللفظي والمدلول العملي يواصل كوفيد المستجد 19 حصد الضحايا في كل أنحاء العالم. العالم يواجهه بسلاحين أحدهما قيد التداول هو الكمامة والآخر قيد الإختبار هو اللقاح. لغويا لا أعرف من أين جاءت عبارة كوفيد المستجد 19 لكن لدى الإطباء ومنظمة الصحة العالمية إجابة ليست وافية في ظل تداخل المفاهيم والدلالات والمداليل. ربما يصبح السؤال التالي واجبا وهو.. هل يعني أن هناك 18 كوفيدا قبله؟ ربما لكنهم لم يكونوا مستجدين. الخلاصة إنه إستجد برؤوسنا بدء من أفواهنا المغلقة بالكمامات.
أين كانت كل تلك الكوبيدات أو الكورونوات دون مسمى “الجائحة” حيث لايعرف سوى سويسر وخليفته تشومسكي إن كانت العلاقة بين دالها ومدلولها إعتباطية أم قصدية بلغة العالم العراقي الراحل عالم سبيط النيلي؟. أيضا من حقنا أن نسأل ماهي مجالاتها وحيز تداولها إن كان في اللغة أو في السيطرات حيث يتعين عليك إبراز هوية الإستثناء مع كف حقيقي موهوم بعلامة من خارجه وكمامة تخفي إبتسامة لا لون لها تمنحك جواز مرور وهمي يخفي بداخله شعورا إنك مواطن صالح تؤمن بتعليمات الحكومة.
وتستمر الأسئلة طالما للحروف أسرارها كما يقول إبن خلدون.. لماذا كانت كل الكوفيدات السابقة بلا كمامات ولا كفوف. الكمامات والكفوف أنتجت سلسلة مسجات لغوية بدوال ومدلولات لاتبدو هذه المرة إعتباطية من رخصة الجرجاني ودي سويسر وتشومسكي وعالم سبيط النيلي وإذا شئتم رولان بارت وأمبرتو أيكو.
المهم في أمر كوفيد 19المستجد إنه إختزل العالم بملياراته السبع الى مجرد علامة هي “الكمامة” التي اصبح لنا منها إنتاج وطني محلي “صنع في العراق” مع كفوف رديئة الصنع تتمزق بالكف. لكن مع ذلك العافية درجات كوفيديا وكفوفيا وصناعيا. بلغة الدال والمدلول إعتباطا وقصدا فإن كوفيد 19 فرض على العالم زيا موحدا بوسم علاماتي واحد هو الكمامة. لم تعد للكلمة معنى. إختفى الدال وبقي المدلول سابحا في فضاء اللاجدوى. في البدء كانت الكلمة, وفي الختام الكمامة. لم يعد مهما أن تكون .. مسك أوحنظل.