د. نبراس المعموري
تصاعد دور الإعلام في الاونة الاخيرة بعد التطور الحاصل في مجال الاتصالات والتكنلوجيا و صحافة التواصل الاجتماعي، وبرز هذا الدور بشكل لافت للانتباه خلال الازمات، خاصة ان من المهام الرئيسية للاعلام نقل الاخبار والمعلومات و صناعة رأي عام، وأصبح من الأهمية ان تطور وسائل الاعلام من ادواتها و سياساتها بما يتوائم وادارة الازمة في ظل الحداثة والتوسع .
العاملون في هذا المجال بالذات يدركون جيدا اهمية الاعداد الدقيق لادارة الازمة ، خاصة ما يتعلق بالمعلومات ونوعها و حجمها وكيفية توظيفها، بما تحقق الهدف الاساسي من تغطية تلك الازمة، و هذا في النهاية يتطلب الانفتاح على كل الجهات ذات العلاقة دون استثناء؛ حتى تتمكن المؤسسة المعنية بالتغطية الاعلامية لتلك الازمة من خلق اعلام موضوعي قادر ان يصل الى كل الاطراف المشتركة في تلك الازمة، بغض النظر عن توجهاتهم و سياستهم والذين هم بالتالي جزء من فئات المجتمع وانعكاس له.
ان تجاهل او اخفاء أي معلومة تتعلق بازمة معينة دوليا او اقليميا او وطنيا، قد يترتب عليه كارثة كبيرة وهذا امر في غاية الخطورة، وهنا تبرز مسؤولية الاعلام في التعريف بها و التفاعل مع مجرياتها للحد من الكارثة التي المترتبة عن الازمة، و الاستعانة بالدروس المستخلصة في كيفية ادارة الازمة الاعلامية لتجارب سابقة.
ان خطوات اجراءات ازمة الاعلام والاتصال تتطلب مراحل عدة تبدا.. بدراسة الموقف ليبنى عليه تقييم عام و خطة عمل و استراتيجية تنطلق من البيانات المتاحة للازمة، و كيفية تحديثها باستخدام معلومات دقيقة بمصادرها، و اتخاذ القرار بتوجيه رسائل اعلامية للجمهور المستهدف والمعني بالازمة، مع مراعاة بيئة ونوع ذلك الجمهور، و كيفية التاثير فيه لخلق راي عام وانتشار الرسالة في اوسع اطار ضمن الجهة المستهدفة.
للاعلام تاثيرات عدة قد تأخذ طابع سياسي او اقتصادي او اجتماعي، كلا حسب طبيعة الازمة و تداعياتها، و نوع وسيلة الاعلام؛ فعلى سبيل المثال ادوات الاعلام المرئي تختلف كثيرا عن ادوات الاعلام المقروء، و بالتالي ما يترتب عن ادارة الازمة لتلك الوسيلة سيكون تأثيره مقرونا بعوامل عدة.. مرتبطة باستقلالية المؤسسة، و مصداقيتها، وحجم الموارد المتوفرة ماليا و بشريا، اضافة الى حجم الجمهور الذي تؤثر فيه و مساحتها ، و بكل الاحوال فقد اثبتت اغلب الدراسات الميدانية، ان للاعلام المرئي اثر اكبر بكثير من الاعلام المقروء كونه يوظف المادة الصحفية، بقوالب اعلامية مرئية تكون ذات انعكاسات بصرية وعقلية، تولد رأي وسلوك لدى الفرد اسرع بكثير من المادة المكتوبة، خاصة شريحة الافراد البسطاء من عامة المجتمع .
وا مام انتشار وسائل الإعلام الجديد (الصحافة الاجتماعية) اخذ دور الاعلام المرئي (التلفزيون) يأخذ مسارات اخرى مختلفة، فاغلب المؤسسات الاعلامية بدأت تغير من استراتيجية عملها كي تتمكن من مواكبة التطور الحديث من خلال نشر المادة التلفزيونية بشكل مختصر و مكثف من حيث المعلومة والوقت حتى تتمكن في النهاية من ان تكون مادتها المنتجة.. مادة دسمة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، بما يتيح لاحقا الوصول الى المساحة الاوسع من المادة المنتجة ، لرؤية مضمونها بالكامل عبر منصة اليوتيوب على سبيل المثال.
وهكذا أسهمت شبكات التواصل الاجتماعى، و وسائل الإعلام الجديد التفاعلية في التعبئة وصناعة الرأي، خاصة بعد ارتفاع معدلات حملات المدافعة والمناصرة التي تنظمها بعض منظمات المجتمع المدني الاعلامية ازاء ازمة او قضية معينة، و رغم تأثير وسائل الاعلام واهميتها في ادارة الازمة، الا انها بذات الوقت كانت ذات مردود سلبي في نقل الرسالة الاعلامية للازمة، خاصة امام الكم الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي وتنوعها، والاعداد الكبيرة التي تديرها؛ باختلاف تخصصاتهم و ثقافتهم وتوجههم، و هذا اثر في تشتيت الرأي العام.
لقد اثبتت التجربة الحية لكثير من الدول في مجال اعلام الازمات، ان هناك منافسة حقيقية بين الاعلام التقليدي والجديد، و الاخير استطاع ان يطور من ادواته؛ ليشكل مصدر قلق لبعض الجهات المختصة في صناعة الرأي العام.. لما يتميز به الاعلام الجديد من سرعة و قدرة على الوصول والتأثير و صناعة راي قد ينسف كل العمل الذي تقوم به تلك الجهات، ما لم يوظفوا ادوات و وسائل ادارتهم للازمة اعلاميا بالشكل الصحيح، بما يتماشى وحالة التطور الحاصلة، اضافة الى عنصر المصداقية والمهنية في نقل المعلومات، و هذا يقودنا الى ضرورة وجود قانون للحصول على المعلومات ينظم هذا الجانب، و يمنح الحرية الحقيقية امام وسائل الاعلام لتحقيق إعلام يسهم في مواجهة الأزمات، وليس إعلامًا يؤدى إلى اختلاق أزمات أو التهويل من بعضها.