محمد عبد الجبار الشبوط
التخلف هو خلل حاد في المركب الحضاري المؤلف من خمسة عناصر هي: الانسان والزمن والارض والعلم والعمل.
وهناك مظاهر كثيرة للخلل الحاد سواء على مستوى علاقة الانسان باخيه الانسان او علاقته بالطبيعة او موقفه من الزمن او العلم او العمل. وفي احيان كثيرة تكون هذه المظاهر نتاجا للخلل في القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. والمجتمع المتخلف هو المجتمع الذي يعاني من خلل حاد في مركبه الحضاري. المجتمع المتخلف هو مجتمع مريض، رديء التنظيم.
ومن مظاهر التخلف (=الخلل الحاد في المركب الحضاري) اعتماد المجتمع على ريع الثروة الطبيعية المكتنزة في الارض، من نفط او ذهب او فضة او غيرها من المعادن. يستخرجها، او تستخرجها شركات وكيلة، وبيعها كما هي، دون الحاجة الى معالجتها. وهذه هي حالة مجتمعنا العراقي منذ اكتشاف النفط في ارضه حتى الان.
والاستهلاكية، المقابلة للانتاجية، من مظاهر التخلف المرتبطة بالريعية، حيث يتعود المجتمع على اخذ كل شيء من الدولة (وهذا خلل اخر في علاقة الدولة بالمجتمع) دون التفكير بانتاج سلعه بنفسه. وغياب النزعة الانتاجية يعني تفضيل الادخار السلبي، او الاكتناز، على الدخول في مجال الانتاج. وقد دان القران الكريم هذه الظاهرة السلبية بقوله: “وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”. وهذا تهديد مرعب من اكتناز النقد، او الذهب والفضة، وعدم انفاقهما “في سبيل الله”. وقد فسر السيد محمد باقر عبارة “سبيل الله” كما يلي: “سبيل الله هو التعبير التجريدي عن السبيل لخدمة الانسان ؛ لأن كل عمل من اجل الله فإنما هو من أجل عباد الله ؛ لأن الله هو الغني عن عباده ، ولمّا كان الإله الحق فوق أي حدٍّ وتخصيصٍ لا قرابة له لفئة ولا تحيز له إلى جهةٍ ، كان سبيله دائماً يعادل من الوجهة العملية سبيل الإنسانية جمعاء ، فالعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس جميعاً … “. واذاً فان الاية تشجع اصحاب الاموال المدخرة الى انفاقها في سبيل الانسانية، اي المجتمع، وليس هناك افضل من الانفاق الانتاجي. وهنا نصل الى معنى عنوان هذا العمود وهو “استخدام المدخرات انتاجيا” فبدلا من تبقى الاموال الفائضة عن الحاجة مكتنزة في البيوت، يكون من الافضل استخدامها في مشاريع انتاجية. وقد لا يكون ما لدى الفرد الواحد ما يكفي من المال المدخر لتأسيس مشروع انتاجي، فيمكنه في هذه الحالة تأسيس المشروع مع مواطنين اخرين على شكل شركة مساهمة، حتى لو كانت صغيرة او متوسطة، ويمكن للمؤسسين ان يعرضوا قسما من اسهم شركتهم في سوق الاوراق المالية لتشجيع عدد اكبر من المواطنين للمساهمة في راسمال هذه الشركة. واذا افترضنا ان هناك مليون مواطن بهذه الامكانية، وان كل ٥٠ مواطنا اسسوا شركة صغيرة بهذه الطريقة، فسوف يوحد لدينا ٢٠ الف شركة كمنطلق في تطبيق هذه الفكرة. وقد طرحت هذه الفكرة من قبل تحت عنوان “المشاريع الذكية”، وعنصر الذكاء في هذه المشروعات انها ادخلت الى السوق المدخرات الشخصية للمواطنين التي يقدر الخبراء انها تبلغ اكثر من ٣٠ مليار (المليار الواحد الف مليون) دولار. وهذا مبلغ كبير نسبيا من شانه ان يحدث اثر ايجابيا في المجتمع والدولة ويقلل من اعتماد المجتمع على الدولة، ويصحح الخلل في هذه العلاقة، ويقلص من حجم الاستيراد لصالح تعظيم الانتاج، ويوفر فرص عمل كثيرة للشباب العاطلين. وهذا كله يشكل خطوة مهمة في معالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع العراقي، اي التخلف.