كفاح محمود كريم
واحدة من أهمّ ما أفرزته أحداث ما سمي بالربيع العربي وتداعياته، هو إشراك المرأة في الهيئات التشريعيّة والتنفيذيّة على خلفيّة مبدأ حقوق المرأة وضرورة تبوّئها المواقع المهمّة ومشاركتها في صنع القرار، وقد شهدنا تغييراً نوعياً طفيفاً في التجربة التونسيّة والسودانيّة مؤخراً.
ولكن ما حصل فيما يتعلّق بالمرأة وإشراكها في معظم هذه البلدان التي تعرّضت إلى تغيير حادّ في نظمها السياسية والاجتماعية لم يتجاوز عمليّة التزيين السياسي وإضافة بعض الإكسسوارات والشعارات البعيدة أساساً عن التطبيق أو الترجمة، ولعلّه لنا في التجربة العراقيّة مثال ونموذج لتلك التطبيقات السطحيّة لمبدأ المشاركة الفعلية للمرأة.
لقد صاحب عمليّة التغيير الفوقيّة للنظام السياسي العراقي وإلى حدّ ما الاجتماعي، صدور قوانين ودستور دائم للبلاد أقرّ حقوق المرأة ومشاركتها الفعليّة في مراكز القرار، بما في ذلك تحديد نسبة عدد المقاعد في مجلس النوّاب المخصّصة للنساء والتي حدّدت بما لا يقلّ عن 25% من المقاعد الكليّة للبرلمان وأكثر من ثلاثين بالمائة في برلمان إقليم كردستان العراق.
وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة واطّلعنا على أداء ونوعيّة من شغل تلك المقاعد المخصّصة للنساء ومستوى الأداء والدور الذي وصفه الكثير من المراقبين بأنّه لا يمثّل بشكل مرضي الهدف الأساسي من تشريعه، بل إنّ الكثير من الناشطات في مجال حقوق النساء اتّهموا الأحزاب والكتل السياسيّة باستغلال هذا التشريع الخاص بالمرأة لتحقيق أكبر عدد من المقاعد دون الاهتمام بقضيتها وحقوقها والأسباب الموجبة لتشريعه.
وتبرز هنا الكثير من التساؤلات حول وظيفة هذا العدد من النساء في مجلس النوّاب والذي يفترض أن يكون على خلفيّة التشريع متناسباً مع نسبتهن في المجتمع، أي أكثر من الربع بكثير وما يقرب النصف من عدد المقاعد الكليّة أو يفوق، مقارنة مع الهدف الأساسي الذي من أجله وبواسطته ذهبن إلى هناك، وباستثناء عدد لا يتجاوز ربما أصابع الكفّ الواحدة من مجموعة النساء في المجلس، فإن الباقيات منهن إنّما ذهبن لإرادات لا علاقة لها بالمرأة إطلاقا حالهم حال بقيّة الرجال ليس إلا، وقد استخدمت فقط لزيادة عدد المقاعد.
وبقراءة سريعة للمشهد منذ الدورة الأولى 2005 ولحدّ اليوم، ومقارنة بين الهدف من تثبيت نسبة للنساء مع معطياته ونتاجه خلال هذه الفترة نرى تناقضاً كبيراً بين الأداء الفعلي لتلك المجموعة من النساء والغاية المرجوّة على خلفيّة أحداث متغيرٍ اجتماعي كبير بتحديد تلك النسبة ووجودها، حيث استخدمت كثير من الأحزاب والكيانات السياسيّة ذلك التشريع وبالذات في الانتخابات الأخيرة لزيادة عدد مقاعدها على حساب النوعيّة ودفعت أعداداً كبيرة من النساء اللاتي لا يمثلن إرادة المشرّع أساساً، وهنّ بالتالي _أي تلك الأعداد من النساء_ تمّ استخدامهن كأدوات أو وسائل لتحقيق نسب أكبر للرجال إذا صحّ التعبير في نتائجه الأخيرة ليس إلّا؟.
واذا ما استثنينا النسوة اللاتي خضن الانتخابات بجدارة أذهلت الكثير في نتائجها لكونها جاءت تمثّل نبض النساء وعمق الإحساس الحقيقي لدى المجتمع في إيصال مستويات رفيعة منهنّ إلى البرلمان ليمثلن إرادة المرأة في الانعتاق والتحرّر، فإن العديد من الكيانات والأحزاب والحركات إنما دفعت الكثير من المرشّحات لإشغال أكبر عدد من المقاعد على حساب المرأة وأهدافها والإساءة إلى مبدأ التحديد والنسبة والغرض من التشريع أساساً، بل وعملت جاهدة لاحتواء تلك الاستثناءات ودمجهن بالمشروع السياسي للحزب أو الكتلة، خاصة إذا ما علمنا أنّ هذه الأعداد من النسوة لا تتميّز عن أقرانها من الرجال في الأداء البرلماني كنوع سياسي واجتماعي من أجل تحقيق الغاية المرجوّة من تشريع هذه النسبة، فلماذا تحصل الكيانات السياسيّة على مقاعد سهلة بأقلّ من حجمها الحقيقي، بل وبأقلّ من خمسة آلاف صوت في مناطق معدلها الوطني لم يقلّ عن ثلاثين ألف صوت للمقعد، إلّا باستخدام هذا السلّم، او الكوتة كما يطلقون عليها؟.
إنّ تحديد نسبة النساء في المجلس وفرضه بقانون، إنّما يهدف إلى إحداث تغييرات مهمة في المجتمع وفي دور المرأة وبنية المؤسسات القائدة اجتماعياً وسياسياً، وبالذات في أعلى مؤسسة تشريعيّة في البلاد، وهي مجلس النوّاب لا إلى إرسال مجاميع من النسوة لزيادة عدد المقاعد والامتيازات وهنّ لا يفرقن عن الرجال إلا بملابسهنّ؟.