الراسمالية المركزية :من الصراع الطبقي الى التحول الاجتماعي -رؤية استشرافية لما بعد كورونا

مظهر محمد صالح

يتوجه الصراع الراهن فى معسكر راس المال المركزي نحو انتزاع الارباح وتدويرها بمعدلات تراكم عالية صوب تعاظم راس المال الصحي الاحتكاري وتوجهاته الحالية بالاستحواذ على فرص الربح او الفائض ذلك بالسعي الحثيث في تكوين بيئة عمل واستهلاك ومعيشة مستقبلية لتحويل الفائض الراسمالي في القطاعات المنتجة الاخرى .اي قمع فرص التراكم المادي في تلك القطاعات وتقييد فرص الربح فيها وامتصاصه كقوى تراكم تحويلية باستمرار كي لا يصب في مصلحة القطاعات غير الصحية المحتكرة.وان جميع هذه التحركات في القطاع الصحي الاحتكاري ستظل اداة تقود الصراع بين حقوق العمل والعمال المستجدة لتامين مقومات الحياة من جهة وبين معسكر راس المال المتصارع على الفائض نفسه من جهة اخرى.
فثمة صراعين في قوى الانتاج وعلاقات الانتاج ويمثلان اساس البنية التحتية للمادية التاريخية historical materialism لمرحلة مابعد الازمة الصحية ( كورونا )وهما صراع قوة العمل مع المرض من اجل البقاء وحقوقه في تعظيم الاجر التعويضي عن خسارة ساعات العمل وارتفاع تكاليف العيش ضد الوباء ،وصراع آخر هو اشد خطورة داخل معسكر راس المال نفسه يتمثل بالصراع من اجل البقاء على تقاسم الفوائض التي تتراكم في مرحلة الحرب ضد كورونا . وهذا سيقودنا الى تحليل مستوى الصراع داخل معسكر راس المال المركزي الى مرحلتين :
المرحلة الاولى للصراع /نشوء النظام الامبيريالي الصحي 
——————————————-
وهي مرحلة مبكرة ابتدات فيها قطاعات راسمالية جديدة تتمحور حول ملاذات شديدة الكثافة الربحية والعائد على راس المال لانتاج الفائض الراسمالي السريع على حساب خسارة وركود قطاعات امست ضحية لمرض كورونا وتعطل النشاط الانتاجي فيها وتولدت لديها محديدات وقيود تنظيمية وعمالية واجرية جديدة لمصلحة استرخاء وبزوغ راسمالية محتكرة رابحة جديدة يمكن تسميتها (بالامبريالية الصحية health imperialism )ذلك وبمختلف مؤسساتها التكنولوجية والتمويلية والانتاجية لتصبح تلك الامبريالية نمط انتاج راسمالي مختلف لعالم جديد متفوق في انتاج سلاسل دوائيةلاتنتهي وانماط تغذية تتسع مع تراكم فوائض وارباح الامبريالية الصحية نفسها .اذ سيؤدي تبدل راس المال وتحوله داخل معسكرات صراعه المركزية الى تبدلات فوقية حتمية في طرازات البيئة والحياة والتكيف الى دخول عالم عيش واستهلاك جديد هو عالم ابعاد شبح العدوى في عملية استهلاكية -انتاجية تتولى تدريجياً الهيمنة على الفوائض الاقتصادية واستقطابها وتحويلها الى فوائض وتراكمات كبرى داخل النظام الامبريالي الصحي الجديد .اي ولادة آليات انتقال كبرى داخل البنية التحتية الراسمالية وفي مادية تاريخية تتعدى كفاح الراسمالية نفسها وصراعاتها من اجل البقاء 
‏survive conflicts وعلى حساب او مصلحة انهيار او انحسار فوائض وارباح القطاعات المنتجة غير الصحية التي ستخضع بشدة لمطالب العاملين العالية الكلفة فيها جراء المطالبة الاجرية بادغام كلفة القطاع التغذوي والصحي وتاميناتهما الاجتماعية في كلفة العيش وقيمة الاجر نفسه (وهو صراع آخر من اجل البقاء) .فضلاً عن تبدل سياسات الاقراض في القطاع المالي وحصول تحول بنيوي في القطاع الرمزي token economy نفسه كجزء من بيئات العمل الراسمالي المتجددة .لذا سيكون قيد (الكلفة الوقائية Preventive cost constraint ) في القطاع الراسمالي غير الصحي المنتج بمثابة قيد كلفوي على حساب الارباح الهشة في تلك القطاعات متسبباً لامحالة بنقل الفوائض من القطاعات السلعية والخدمية غير الصحية وبتلقائية عالية الى الامبراطورية الصحية كراسمالية جديدة شديدة الاستغلال والتراكم وبمنتجاتها التي امست تُستهلك (كحتمية اقتصادية) بين الحياة او الموت.
[13:24, 2020-04-09] DR.Mudher: كما ستتكيف السياسات الحكومية والتشريعات في هذه المرحلة من نشوء الامبريالية الصحية لمواجهة نمط اجتماعي اقتصادي من الصراع المحتدم بين العمل وراس المال الاخر في مراحله الاولى التكيفية المتمثل بقيد كلفة الانتاج الصحي في الانشطة الانتاجية الاخرى من خارج الامبراطورية الصحية الى مطالب تعويضية في الاجر تقودها نقابات العمال بقوة ولاسيما من حيث تعويض ساعات التعطل القسرية وتحديد ساعات الاشتغال في ظروف صحية آمنة وتعويضات المرض عند حدوثه، مايعني الميل الحتمي الى تقاسم الارباح والفوائض لمصلحة الاجر من جهة وتحويله بشكل غير مباشر الى ارباح وفوائض للنظام الصحي الامبريالي (المهيمن على مفاصل الحياة وحركتها) من جهة اخرى . اذ ستجسد الامبريالية الصحية دورها بكونها هيئة اركان حرب مستمرة ضد العدو او المرض المجهول . وهكذا سّتولد الامبريالية الصحية نظام راسمالي تناحري شديد الصراع وباتجاهين : الاول صراع راس المال الصحي health oriented capitalism مع الراسمالية غير الصحية non health oriented capitalismفي الهيمنة الاحتكارية وتطويع السياسات العامة وتقاسم الارباح والفوائض وتحويلها عبر ماكنة استهلاكية مستجدة وتوزيع عبء تكاليف العمل على الانتاج غير الصحي القليل الربح ،والثاني ، ظهور قوة عمالية تعمل في بيئة خطرة باستمرار وامامها تحديان العدوى وتجنبها اوالموت .وستبقى تطالب بتعويضات اجرية عالية على المخاطر في ظل تلقي موجات من البطالة والتسريح من العمل في الوقت نفسه ،وهو صراع لمقاومة تقليل فرص الربح في القطاعات الراسمالية الاخرى وتحويلها لمصلحة راس المال الصحي .اذ تساعد موجات البطالة وتراكمها المستمر في ازدهار سعة الامبراطورية الراسمالية الصحية المهيمنة والمستجدة لتعبر عن نفسها في ادارة عالم انتاجي بانماط مختلفة في ادامة الحياة ببيئة وقائية لم يعتد عليها العالم من قبل ،وهي تمتلك في الوقت نفسه القدرة في استعمال الحرب الوقائية وادارة مؤسسات مقاومة المرض الازلي وحدها دون غيرها من حيث قوة الاحتكار الراسمالي . 
وبهذا سيظهر الاقتصاد الراسمالي المركزي وتوابعه الملحقة (لمابعد كورونا) ولادة بيئة صراع جديدة في مكونات دالة الانتاج المركزية نفسها وتبدل راس المال وتحوله في عمليات استيلاء واستحوذ taking over لم يشهدها تاريخ الراسمالية من قبل ،فضلا عن حصول تكييفات (موجبة )متسارعة في التكنولوجيا البيولوجية والهندسة الجينية لمصلحة الامبراطورية الصحية وبيئات العمل المستجدة الكلفة المتسارعة .كما ستمثل استدامة راس المال الصحي الهيمنة التاريخية على حصة واسعة من الارباح وتقاسمها ستكون على حساب ولادة ظواهر اقتصادية (سالبة )مستمرة من الركود والتضخم (اي بطالة وتضخم مرة واحدة وباكثر من مرتبة عشرية واحدة وباستمرار )وهو مايسمى :بالركود التضخمي لما بعد كورونا post Coronavirus stagflation.اذ ستقود الظاهرة الركودية للتضخم الى اضطراب الاقتصاد الرمزي token economy وتاثره بالركود التضخمي نفسه الذي سيصبح اداة مساعدة على ظهور فقاعات سعرية مالية متعددة ومتعاقبة في اسواق راس المال بسبب تدهور فرص الربح وانتقال الفائض في القطاعات الحقيقية الراكدة والمتضخمة جراء ارتفاع عامل التكاليف والمخاطر الصحية كجزء من كلفة تعويضات المشتغلين وبيئات العمل .اي بما فيها استمرار المطالبات العمالية بالتأمين ضد البطالة القسرية واحتمالاتها الدورية والتأمين على الحياة خوفاً من العدوى او (العدو الوبائي) المجهول كما اشرنا آنفاً لقاء التكاثر التلقائي والمستمر لهوامش البطالة في قطاع الاعمال غير الصحية . ان مثل هذا التبدل في انماط الانتاج والصراع في البنية التحتية الراسمالية(سواء في علاقات الانتاج اوقوى الانتاج ) جميعها ستقود لامحالة الى انهيارات في اسواق راس المال التي غدت تناغم فقاعاتها السعرية الركود التضخمي في القطاع الحقيقي ،وهو يضرب النمو في قطاعات هائلة من نشاطات الانتاج من خارج البيئة الانتاجية الصحية المهيمنة .فاذا ما مرت دورات الاصول المالية والحقيقية للاقتصاد الكلي بتحت تاثير التقلبات المتسارعة في الاقتصاد الرمزي token economy بسبب الركود التضخمي في نشاط الانتاج الراسمالي غير الصحي، فان الاقتصاد الراسمالي المركزي سيدخل في نفق مرحلة طويلة من البطالة والافلاس والكساد ،والذي سينتقل مباشرة الى القطاع الرمزي نفسه وانشطاره بين قوى خاسرة جراء فقاعة الركود التضخمي وقوى تتمتع بالركوب المجاني الربحي profitable overriders .اي انها ستعتاش على انسحاب القطاعات المنتجة المتعثرة بالركود التضخمي ولمصلحة انتعاش الاصول المالية للقطاع الصحي نفسه .كما سيرافق ذلك توافر سياسات حكومية لدعم سيولة الاقتصاد وهو مايعبر عنه بسياسة التيسير الكمي QE اذ اضاف البنك الاحتياطي الفيديرالي في الولايات المتحدة قبل ايام ترليوني دولار من الاصول الرديئة واذونات الخزينة في محفظة موجوداته لضمان سيولة النشاط الاقتصادي الحقيقي عبر الاقتصاد الرمزي ولكن ستصب في النهاية بصورة تراكمات كبيرة لمصلحة الراسمالية الصحية الاحتكارية التي تمارس الحرب ضد وباء كورونا.
لمرحلة الثانية من الصراع /نشوء الراسمالية الاجتماعية—————————————

كما بينا آنفاً ان الصراع داخل معسكر راس المال المركزي سينتقل ويتوزع مباشرة بين سياسات الحكومة والقوى العاملة العاطلة والراسمالية الخاسرة من جهة وتحوله الى صراع داخلي مع الراسمالية الصحية الاحتكارية والقطاعات الواسعة الملحقة بها من جهة اخرى ،مما ستولد جهة صراع اجتماعي قوية تتحالف فيها القوى العاملة والراسمالية الحقيقية المتضررة من الاحتكارات الراسمالية الصحية .في حين ستتوجه السياسات الحكومية الى تصحيح المسار في خضم الصراع الفوقي والصراع البنيوي التحتي نحو تحريك دوال الانتاج واستقرار علاقاتها . وستستقر في نهاية المسار الى تفكيك فوائض القطاع الصحي الاحتكارية وطغيانها واستبدادها بفرص الربح على حساب جروح وآلام النظام الراسمالي نفسه .وهنا تاتي التسوية التاريخية بغية استقرار التكاليف في القطاعات الاخرى المنتجة والقضاء على مظاهر الركود التضخمي وتحويل فوائض القطاع الصحي واعادة توزيعها الى مشاركة انتاجية في القطاعات الاخرى وهي بداية النهاية للنظام الراسمالي الامبريالي الراهن برمته ونشوء الراسمالية الاجتماعية social capitalism الاكثر استقراراً وازدهاراً .

شاهد أيضاً

العراق وطن القلوب والحضارة

اللواء الدكتورسعد معن الموسوي أنا دائمًا ما أبتعد عن الحديث في السياسة وعراكها، لكن عندما …

error: Content is protected !!