تأثير الحملات الاعلامية في تعبئة الرأي العام

د. نبراس المعموري

يلعب الاعلام بمختلف انواعه دورا مهما في تعبئة الراي العام، و توجهيه سلبا او ايجابا، بصدد مشكلة معينة سواء اكانت، سياسية، او اقتصادية، او اجتماعية، من خلال إيصال المعلومات والأخبار، و خلق النقاشات والحوارات المختلفة.
و امام هذا الدور الكبير للاعلام تبرز بعض الشرائح المجتمعية من كلا الجنسين تتخذ على عاتقها مهمة التاثير و التعبئة والتغيير من خلال الاستخدام المباشر و غير المباشر لوسائل الاعلام بمختلف انواعها مستثمرين عناصر اساسية مثل الجمهور، و القيم المشتركة، والمعرفة، والمعتقدات، والبيئة، والاتجاهات والمواقف، اضافة الى النخب والقيادات والشخصيات المؤثرة.

لقد ركز علم النفس الإعلامي على العلاقة بين السلوك البشري و الإعلام،  والتفاعل الذي ينجم بين الأفراد، و بين ما تعكسه وسائل الاعلام من صور و معلومات و اخبار؛ تؤثّر عليه و تجعله يتبنى مواقف وافعال معينة، وذلك لان العقل البشري لا يتوقّف عند استقبال المعلومات من وسائل الاعلام سواء اكانت مرئية او مسموعة او مقروءة او صحافة اجتماعية، وإنّما يقوم العقل بتحويل كلّ ما يحصل عليه من معلومات إلى معرفة، واستنتاجات، ومبادئ جديدة .

و يختلف تفاعل الافراد و ردود افعالهم مع ما تقدمه و سائل الاعلام  حسب نوعية تلك الوسيلة، و قدرتها على التاثير والاقناع، لا سيما اذا كانت تتمتع بشُهرة واسعة، و تمتلك امكانيات لوجستية و تقنيات حديثة، والجرأة والقوة في طرحها القضايا الحساسة، اضافة الى مصادر معلوماتها و مدى صحتها.

لقد ظهرت العديد من النظريات التي بحثت في التأثير الاعلامي و قسمت النظريات وفق محورين نظريات ذات التأثير المباشر (قصيرة المدى) مثل نظرية الرصاصة او الحقنة  حيث وضح عالم الاتصال (ولبور شرام) ان استجابة الجمهور للرسائل الاعلامية بمثابة رصاصة البندقية تؤثّر بشكل سريع ومباشر بعد انطلاقها، وكذلك نظرية التأثير الانتقائي حيث يرى (جون بيتنر) أنّ تأثّر الجمهور بوسائل الإعلام الجماهيري تكون بحسب عوامل انتقائية وبسببه فإنّ الفرد يتذكر فقط ما يؤكد أفكاره من الرسالة الاتصالية وتتفق معه، و كذلك نظرية الفئات الاجتماعية وتأثير النخب والقيادات.

 اما المحور الثاني من النظريات فكانت ذات التاثير غير المباشر (طويل المدى) مثل نظرية الاستخدامات و الاشباعات و تًعدّ من النظريات المهمة جدًا والأكثر استخدامًا، ويُعد (إلياهو كاتز)  أول من وضع اللبنة الأولى لها عام 1974 ، و ترى النظرية أن المتلقي هو نقطة البدء بدلًا من الرسالة، فتقوم بشرح سلوك المتلقي الاتصالي من خلال تجربته المباشرة مع وسائل الإعلام، فالأفراد يوظفون الرسائل الإعلامية بدلًا من التصرف سلبًا نحوها، كذلك ظهرت نظرية التطعيم او التلقيح و نظرية تدفق المعلومات و نظرية ترتيب الأولويات التي تعتمد على أن وسائل الإعلام هي التي تعمل على خلق الصور في أذهاننا، و رد فعل الجمهور تجاه تلك الصور الذهنية، و كذلك نظرية الاعتماد المتبادل و مدى استطاعة الوسيلة الإعلامية في نقل محتواها بشكل جيد وجاذب بالنسبة للجمهور المتلقي، مرتبطًا ببيئة المتلقي، من خلال التغذية الراجعة.

ازاء الكم الهائل من نظريات التأثير الاعلامي يمكن ان نطرح تساؤلنا كيف يمكن للحملات الاعلامية ان تكون مؤثرة و تحقق اهدفها ؟
تعد الحملات الإعلاميّة اداة مهمة في التأثير و خلق راي عام واحداث التغيير لا سيما في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص ، فالحملات الاعلامية متعددة من حيث الهدف  ان كان توعوي أو تغيير سلوكٍ مجتمعي أو حملات دعائيّة انتخابية، وايظا متعددة من حيث نوع الوسيلة الاعلامية التي تعتمد عليها الحملة.

 و امام الانفتاح التكنلوجي والتطور الهائل في الصحافة الاجتماعية و استخداماتها المتنوعة، امست الصحافة الاجتماعية اولى الوسائل لانتشار الحملات الاعلامية و تحقيق اعلى نسبة تفاعل، خاصة ان مواقع التواصل الاجتماعي لن تكون مقتصرة على شريحة معينة من حيث الجنس او العمر او الدين او القومية او المنطقة ، بل يمكن ان تتوسع بشكل كبير متجاوزة حتى الحدود الوطنية لها، و من يراجع التاريخ القريب يجد ان ظاهرة الربيع العربي لم تتوسع لو لا مواقع التواصل الاجتماعي التي انطلقت منها و توسعت من خلالها.

اما مسألة التأثير فهذا مرهون بالخطة التي ترسم لتلك الحملة من حيث التنظيم واللوجستيات و فريق العمل و مدى التزامهم بالخطة المرسومة للحملة ضمن الهدف و حجم الرسالة الواجب تحقيقها والشكل النهائي لها سواء اكانت عبر (فيديو) او (بوستر) او نصوص مكتوبة بطريقة مكثفة للفكرة خاصة (الهاشتاك) على ان لا  تأتي بنتائج عكسية ولعل لدينا تجارب كثيرة بهذا الصدد مثل الحملات الاعلامية الدينية لبعض الجهات،  و كيف تم توظيفها بشكل خاطئ لتكون ذات مردود سلبي يزيد من الفجوة الحاصلة بين رجال الدين والمجتمع، و في هذا الاطار فان الفعل و رد  الفعل للحملة الاعلامية مرهونة بالتوظيف الصحيح، و هذا لا ياتي من فراغ فلابد للعاملين عليها ان يكونوا مدربين بالشكل الكافي مع توفر الامور المالية واللوجستية، حتى يتمكنوا من صنع راي عام ينسجم مع الهدف الخاص بالحملة الاعلامية .

اخيرا لمنتدى الاعلاميات العراقيات الكثير من الحملات الاعلامية وهذا الكثير ساعدنا ان نتعلم من التجارب الماضية حتى لا نكرر ذات الاخطاء؛ فالعبرة ليس بالاستمرار بتنظيم حملات اعلامية، لغرض الكم و ليس النوع، بل العبرة كيف يمكن  ان تكون الحملة الاعلامية مؤثرة و صانعة لرأي عام يتوافق مع نهج المؤسسة الوطني  (يبني لا يهدم)، و هذا ما حققناه عبر حملاتنا الاعلامية المنظمة.

شاهد أيضاً

‎سيناريوهات لا يمكن قراءتها

د. نبراس المعموري ‎في تصريح صحفي لمستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حجة الإسلام طائب …

error: Content is protected !!