الروح هبة الباري عز وجل ولا يحق لأي كائن انتزاعها فكل اعتداء عليها هو جريمة بحقها و قد سبقت الاديان السماوية جميع القوانين الوضعية في حماية حق الانسان بالحياة ((وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا))..الاية 33 من سورة الاسراء ، وقد شرعت على ارض العراق القديم عدة قوانين جرمت القتل ومن هذه الشرائع والقوانين : شريعة اورنمو ( 2113 – 2095) ق.م ، ولبت عشتار (1934 – 1924) ق.م ، وقانون ايشنونا عام 1950 ق.م، .
وعلى الرغم من ان قانون حمورابي الذي شرع بين اعوام 1792ـ1750 ق .م هو القانون الاكثر شهرة وانتشار في العالم، وتمتاز هذه الشريعة بوجود تفاصيل أكثر حول الجرائم والعقوبات المقررة لها وهي عقوبات قاسية إذا ما قورنت مع الشرائع التي سبقتها ، فقد قررت شريعة حمورابي عقوبة الإعدام لجرائم عديدة منها ( عقوبة القتل)، وبذلك تكون كل القوانين والأنظمة والأديان قد اتفقت على حق الإنسان في الحياة ولم تفرق بين صحيح و مريض أو بين صغير و كبير, فجاءت لفظة نفس أو إنسان في النصوص القانونية دون أن تضع مواصفات لتلك النفس أو ذلك الإنسان. وكفلت حمايته ، وجرمت اي اعتداء عليه ،ومن ضمنها القانون العراقي الذي افرد فصلاً تحت عنوان( القتل العمد )ضمن الباب الاول من الجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه، فالمادة (405) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل نصت على (من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت)، وتطبق المادة أعلاه عند توفر أركان جريمة القتل العمد وهي الاعتداء المميت وان يكون المجني عليه إنسانا حيا والقصد الجنائي وهو النيه في إزهاق روح إنسان .
ولسنا بصدد التوسع في هذه المادة ولكنه توضيح بسيط لجريمة القتل العمد في نظر القانون.وحتى لا يقع ظلما على الجاني عند إيقاع العقوبة عليه وللتفريق بين مجرم وآخر حين ارتكابهم الفعل الجرمي ذاته وبظروف مختلفة بعض الشيء وضع المشرع العراقي في جريمة القتل العمد ظروفا مشدِدة وأخرى مخفِفة, ففي الظروف المشدِدة وفي المادة (406-أ) يعاقب بالإعدام من قتل نفسا عمدا في إحدى الحالات التالية: وحدد تسع حالات أولها:
(أ-إذا كان القتل مع سبق الإصرار والترصد.أي إن جريمة القتل العمد إذا رافقها سبق إصرار وترصد تكون العقوبة الإعدام (رغم تأييدي لعقوبة الإعدام تحت أي ظرف من الظروف) و إن العقوبة تشدد إذا رافقها سبق إصرار وترصد.لان عملية الإصرار تدل على تصميم الجاني على ارتكاب فعله بعيدا عن أي هياج نفسي أو عاطفي وفي هدوء كامل للبال.
أما الترصد والذي لم يعرفه المشرع العراقي في قانون العقوبات ولكن عرفه فقهاء القانون بـ (الإجهاز وبصورة مباغتة على المجني عليه بحيث لا تدع له مجالاً للدفاع عن نفسه (امـــــا أصل المادة (407) من قانون العقوبات والتي نصت على (تعاقب بالسجن مده لا تزيد على عشر سنين أو بالحبس مده لا تقل عن سنة الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة اتقاء للعار إذا كانت قد حملت به سفاحاً) أي أن قتل الأم لابنها اعتبره المشرع العراقي ظرفا مخففا.
دعونا نتأمل هنا !!! هل يستطيع احد أن يتصور أن إماً (بكامل جلالها) تقتل طفلا لا حول له ولا قوة وتجهز عليه بكل ما يحمله القتل من وحشية وتزهق روح إنسان أراد له الله تعالى أن يرى النور ومع سبق إصرار ودون أن يكون له القدره للدفاع عن نفسه بل حتى وسيلته الوحيدة للتعبير عن أي شيء وهي الصراخ لا تجدي نفعا فلا احد يهب لنجدته حين صراخه فالأطفال ديدنهم الصراخ والبكاء.حملته أمه تسعة أشهر كاملة وهي تعلم إن حملها به سفاحا بل حتى أهلها المقربون على اقل تقدير يعلمون ذلك وانتظرت كل هذه المدة وهي تخطط وتحضر لقتله ولا يعتبر هذا سبق إصرار؟
اما حجة المشرع العراقي والتي هي اتقاء للعار فهي حجة تافهة وكأن الفتاة حملته في جيبها وليس في بطنها المنتفخة أشهر عدة حتى إذا ما وضعته كانت المفاجأة وجاء رد فعلها بقتله لتبقى مثالا للعفة والشرف بين أهلها وأقرباءها.
والامرّ من ذلك إن المشرع لم يحدد عدد الأطفال الذين تقتلهم أمهم فربما تقتل طفلا وتعاود الكرّة لتقتل طفلا اخر استناداً إلى نص (اتقاء للعار) ياللعار من يدافع عن هؤلاء الأطفال المساكين إذا كان قتلهم من اقرب المقربين لهم (امهم)
ومشرعنا العراقي يعتبر ذلك ظرفا مخففا لها في الوقت الذي وجب عليه أن يعتبر ذلك ظرفا مشددا لانطباق كل مقومات الظرف المشدد.