كيف تستغل الشعوب المتقدمة الوقت

كيف تستغل الشعوب المتقدمة الوقت

الوقت

لم يَعُد تقدُّم الحضارات في الوقت الحالي يُعزَى إلى نسبة الإنتاجيّة، أو النسبة المُستحدَثة من اللوازم، والاستثمارات المُتعلِّقة بالموارد، وإنّما أصبح يُعزَى إلى نسبة السرعة والمهارات المتوافرة لإنجاز الأعمال المطلوبة، وبالتالي فقد أصبح من الضروريّ الاهتمام بالوقت، وإدارته، والاستثمار الصحيح له، وبذلك تمّ اعتباره من العناصر الأساسيّة واللازمة لإعطاء الحُكم على الجُودة المطلوبة في كافّة المجالات، كما أنّ عمليّة تنظيم الوقت وكيفيّة إدارته تُعَدُّ عمليّةً يتمّ فهْمها بشكل مُشابه لكافّة العمليّات والإجراءات اليوميّة، من ترتيب وتنظيم، حيث تتميَّز هذه الإجراءات جميعها دون استثناء بالفاعليّة، إلّا أنّها تُعَدُّ مُعقَّدة أكثر ممّا تبدو؛ فهي تحتاج إلى إجبار النفس على الالتزام بدرجة كبيرة.[١] لقد أبدى العالَم اهتمامه في أواخر الخمسينيّات وفي بداية الستّينيات من القرن العشرين بالوقت، والأمور المُتعلِّقة به مثل إدارته، وقد حاول الكاتب جيمس ماكي دراسة الوقت، ودراسة كيفيّة تنظيمه بشكل عِلميّ، حيث نشرَ كتاباً مُتعلِّقاً بذلك عام 1958م، وسمّاه “إدارة الوقت”، ومن أهمّ ما ورد فيه ممّا ما زال الناس يذكره أنّه إذا شعر الإنسان بعدم وجود وقت كافٍ لأداء الأعمال جميعها، فإنّ هذا إن دلَّ على شيء فهو إنّما يدلُّ على أنّ المهارات والمعلومات الإداريّة التي يمتلكها الفرد لم تَعُد تنفع للأمور المُستجِدّة، كما يُعَدُّ الوقت مُؤثِّراً خارجيّاً يُؤثِّر على مدى نجاح أو فشل تحقيق الأهداف، إضافة إلى أنّه لا يمكن التحكُّم به من قِبَل أيّ شخص؛ فمثلاً لا يستطيع أيّ فردٍ تغييره؛ كتقديمه وتأخيره، ومن الجدير بالذكر أنّ كلّ من يتمكّن من إدارة الوقت، وعدم تضييعه في الأمور الشخصيّة، يمتلك سماتٍ مختلفة عن الأشخاص الآخرين؛ حيث يتمكّن من استغلال الوقت بصورة أمثل، ومن هذه السِّمات: المقدرة على تحديد الأهداف، والمثابرة، والاجتهاد، والمرونة وغيرها.

تُعرف إدارة الوقت بأنها الكيفيّة أو الطريقة التي يستطيع الفرد من خلالها تحقيق الاستفادة الكاملة من الوقت المُتاح، وذلك عَبر استغلال بعض المواهب والقدرات الموجودة لديه؛ لتحقيق أهدافه، والحرص على تحقيق التوازن بين مُتطلَّبات الإنسان المهنيّة، وحياته الشخصيّة، وحاجاته الجسديّة، والعقليّة، والروحيّة.

كيفيّة استغلال الشعوب المُتقدِّمة للوقت استغلت العديد من الشعوب المتقدمة الوقت بشكل فعّال، ومن تلك الشعوب ما يأتي: استغلال اليابانيّين للوقت: تُعَدُّ دقّة المواعيد لدى اليابانيّين من الأمثلة على استغلال الشعوب المُتقدِّمة للوقت، فكيفيّة تنظيم الوقت واستغلاله لديهم تُوضِّح الفرق الكبير بينهم، وبين الشعوب العربيّة؛ حيث يمضي الوقت لدى الآخرين مروراً طبيعيّاً، إلّا أنّه يسير عند اليابانيّين ضمن جدول مُنضبطٍ بمواعيد مُحدَّدة، ويتمّ أداء العمل حسب الوقت المُحدَّد له؛ لذلك فإنّ من اللباقة لدى اليابانيّين أن يحترمَ كلُّ شخص المواعيد التي تمّ الاتّفاق عليها، وأن لا يتأخّر عنها أو يصل بعدها؛ لأنّ الشخص الآخر سوف ينتظر وقتاً غير مُحدَّد، أمّا في حال الاضطرار إلى التأخُّر فلا بُدّ من الاعتذار فوراً.

استغلال الكنديّين للوقت: يُعَدُّ تنظيم المُجتمع الكنديّ لأوقاته من الأمثلة الأخرى على استغلال الشعوب المُتقدِّمة للوقت، فحسب دراسة تمّ إجراؤها على أكثر من 1276 شخصاً، تمّ ملاحظة الوقت الذي يتمّ قضاؤه في نشاطات المختلفة، مثل: العمل، والنوم، والعائلة، والتلفاز، وتناول الطعام، واهتمامات شخصيّة أخرى، واتَّضح من خلال هذه الدراسة أنّ النساء والرجال الذين ليس لديهم أطفال، يعملون لساعاتٍ طويلة مقارنةً بأولئك الذين لديهم أطفال، كما أنّه كانت إجابة جميع الأشخاص في هذه الدراسة أنهم يتمنون لو أن هنالك وقتاً أكثر خاصاً بهم ليستغلّوه في قضاء الوقت مع عائلتهم والقيام بنشاطات أخرى شخصية، كما أن الوقت الذي يستغله الكنديون البالغون في النوم هو أقل من سبع ساعات في اليوم، أما الوقت المستغل خلال العمل فهو حوالي خمسون ساعة خلال الأسبوع.

استغلال أمريكا وبريطانيا للوقت: هنالك العديد من الأمثلة على استغلال الشعوب المتقدمة للوقت، ومن هذه الأمثلة هي مدى أهمية احترام المواعيد لدى المجتمع الأمريكي والبريطاني، فمثلاً لدى هذه الشعوب من المقبول التأخر عن اجتماع عمل أو موعد لمدة خمس دقائق، أو التأخر عن طعام العشاء من خمس دقائق إلى خمس عشرة دقيقة، ولكن تأخر أكثر من ذلك قد يسبّب انقطاع وإفساد تلك العلاقات المراد توثيقها وتعزيزها، كذلك فإن الوقت بالنسبة لأغلب الشعب الأمريكي يعتبر بمثابة أموال يستطيع الشخص إنفاقها وتضييعها، أو استخدامها بحكمة، أما فيما يخص أمريكا اللاتينية ودول الشرق الأوسط، وجنوب شرق من آسيا فهم أكثر مرونة في المواعيد والوقت.

استغلال سويسرا والبرازيل للوقت: حيث يحرص الشعب السويسري على الوصول قبل بخمس دقائق من بدء الموعد، أما الشعب البرازيلي فقد يتأخرون لمدة 30 دقيقة عن الموعد.

كيفية إدارة الوقت واستغلاله حتى يتمكّن الفرد من إدارة الوقت بشكل جيد يجب اتباع أساليب معينة لاستغلاله بأفضل طريقة، ومن تلك الأساليب ما يأتي:

معرفة حقيقة الوقت، إذ إنّ الوقت من أعظم النعم التي أنعمها الله على الإنسان، ولا يقدّرها البشر إلّا إذا عرفوا قيمتهم وأهميتهم في هذه الحياة، فالوقت ينقضي من عمر الإنسان ومدة حياته. القيام بالواجبات والفرائض، حيث يجب على الإنسان أن يختار ما يفني عمره من أجله وما يستحق ذلك، ألا وهو عبادة الله على أكمل وجه، والقيام بالفرائض الواجبة عليه. الاهتمام بالأقارب والأهل، ويشمل ذلك برّ الوالدين والإحسان إليهما وغيرها من الأعمال. شغل النفس بالعلم النافع، فبذل الجهد للحصول على العلم والارتقاء به من أهم الأعمال التي يمكن للإنسان أن يشغل نفسه بها ويستغل وقته بالقيام بها، ففيها تقدّمٌ للفكر وإنارةٌ للعقل، وسبيلٌ لهدي القلوب. البحث عن الأعمال ذات القيم العالية والفائدة الكبيرة للنفس، والقيام بها. الاهتمام بالنفس وتقويتها من جميع النواحي. تحليل الوقت، بحيث تتمّ الاستفادة منه بأسلوب فعّال، ومُثمِر، دون تضييعه في إنجاز أمور لا فائدة منها، أو أمور تتطلَّب وقتاً طويلاً لأدائها.

التخطيط للأهداف، وتحديدها، ممّا يُؤدّي إلى استغلال الوقت بشكل فعّال.[١] ترتيب الأولويّات؛ إذ إنّ ترتيب الأولويّات يُحقِّق نتائج أفضل، وأكثر فاعليّة؛ وذلك بسبب تنفيذ أهداف مُخطَّط لها من قَبْل، بحيث تكون مُرتَّبةً بشكلٍ تنازليّ.

مضيعات الوقت تُعرَّف مُضيِّعات الوقت على أنّها: كلُّ ما يُعيقُ الإنسانَ عن تحقيق أهدافه، علماً بأنّه قد تمَّ تحديد العديد من مُضيِّعات الوقت، ومنها:

إنجازُ أكثر من عملٍ في آنٍ واحد. إسناد المهامّ والأعمال إلى أشخاص غير أكفاء. التنظيم السيِّئ للمَلفّات المراد استخدامها. عدم إنجاز المَهامّ. الاجتماعات، والزيارات غير المُفيدة. التردُّد في اتّخاذ القرارات الواجب العمل بها، وتأجيلها. الاتّصالات الهاتفية غير النافعة. التأجيل والكسل في إنجاز الأعمال. عدم التخطيط قبل البَدء بالعمل. الازدواجيّة في الجُهد. فوائد إدارة الوقت إنّ لإدارة الوقت فوائد عديدة، من أهمّها:

التوصُّل إلى تحقيق أفضل النتائج لدى إنجاز الأعمال. إعطاء جودة أفضل للعمل الذي يتمّ إنجازه. إنجاز العمل بسرعة كبيرة. التخفيف من الضغوط الواقعة على الفرد. تقليل الأخطاء التي قد يتمّ وقوعها أثناء العمل. تحسين عنصر الراحة للفرد في عمله. أنواع الوقت للوقت في الحياة نوعان، هما:

النوع الأول: هو الذي لا يستطيع الإنسان إدارته، أو تنظيمه، أو الاستفادة منه في أمور غير التي تمّ تخصيصه لها، كما أنّه الوقت الذي يقضيه الفرد في أداء احتياجاته الضروريّة، مثل: وقت النوم، والأكل، والعلاقات مع الأسرة وغيرها، ومن الجدير بالذكر أنّه وقت غير قابل للاستغلال. النوع الثاني: هو وقت يستطيعُ الإنسان إدارته، وتنظيمه، كما أنّه الوقت المُخصَّص للحياة الخاصّة، والعمل، ويُعَدُّ استغلال الوقت في هذا النوع بمثابة تَحدٍّ للإنسان في كيفيّة استغلاله، والاستفادة منه على النحو الأمثل، وهذا النوع من الوقت يُقسَم أيضاً إلى نوعين، هما: وقت الذروة: وهو الوقت الذي يكون فيه الإنسان في كامل نشاطه الذهنيّ. وقت الخمول: وهو الوقت الذي يكون فيه الإنسان في أقلّ حالات النشاط الذهنيّ، وكشرطٍ أساسيٍّ لتنظيم الوقت لا بُدّ لكلّ إنسان من أن يُدركَ وقت الذروة الخاصِّ به، بالإضافة إلى وقت الخمول الذي يتعلَّق به، ويبدأ باستغلال وقت الذروة؛ لإنتاج أكبر قدر من العمل الحقيقيّ. أنواع الوقت في العمل كذلك يوجد أنواع للوقت في العمل، ومنها:

الوقت الإبداعي: وهو وقت يخصص فقط لعمليات التفكير والتخطيط الإبداعي للمستقبل. الوقت التحضيري: ويعد هذا النوع هو الوقت الذي يقضي فيه الإنسان جهده للتحضير للعمل؛ كجمع المعلومات المهمة، أو تجهيز الآلات والمستلزمات وغيرها. الوقت الإنتاجي: وهو الوقت الذي يقضيه الإنسان في إنجاز المهام والأعمال المطلوبة منه، وهو أيضاً إنجاز للأهداف التي تم التخطيط لها ووضعها في الوقت الإبداعي. الوقت غير المباشر أو العام: وهو وقت مستغل في القيام بأنشطة متعلقة بالعمل بشكل غير مباشر، ويكون له أثر في العمل الأساسي.

شاهد أيضاً

نوفل ابورغيف يوقع الطبعة الثالثة من كتابه

احتضنت #دارإنكي للدراسات والبحوث في معرض بغداد الدولي حفل توقيع كتاب( #المستوياتالجمالية في #نهجالبلاغة ) …

error: Content is protected !!