حمزة مصطفى
أيام زمان إرتبط قبل إختراع الكهرباء فالراديو الليل بالعتابة. ولأن الليل طويل فإنه يحتاج حتى “يطر” الفجر الى كل أنواع الغناء المعروف وقتذاك من السويحلي الى العتابة الى الأبوذية وباقي الأنواع. لكنه لسبب ما إشتهر المثل الذي مازلنا نردده دون أن “يلحق” الكثيرون منا على العتابة ومغنيها الأشهر جبار عكار هو “جيب ليل وخذ عتابة”. مع ذلك فإن الليل لم يكن “يفض” بالغناء بل قد تستمر المعاناة خصوصا بالنسبة للعاشقين والعاشقات الذين كثيرا ماكانوا يتبادلون “المسجات” لكن ليس بالهواتف النقالة ببرامجها المختلفة. المسجات أيام زمان كانت أنواعا من القصائد التي يمكن أن يتم تبادلها على أذرع الأنهر أو في البوادي خلال رعي الحلال أو في مواسم الحصاد وسواها من الفعاليات التي كانت هي وحدها من تتيح اللقاءات المباشرة وجها لوجه.
مع ذلك ولأن (الشجا يبعث الشجا فدعني فهذا كله قبر مالك) مثلما يقول متمم بن نويرة فإن الليل لاينقضي أحيانا حتى مع وجود العتابة والسويحلي والأبوذية أوالزهيري بل لاينقضي أبدا حيث لايملك المسهّد سوى أن يردد “أجلبنك ياليلي 12 تجليبة .. تنام المسعدة وتكول مدري به”. المقصود بالسعادة هنا هي راحة البال والتي إشتق منها الشاعر إسم “المسعدة” التي صارت إسما يتداول لدى البدو وفي الأرياف أيام زمان.
حين جاء الراديو حل جزء من المشكلة لا كلها. فالراديو الذي وصل الى العراق في ثلاثينات القرن الماضي كأول دولة عربية تحول الى صندوق نغم أذاع صيت العديد من الفنانيين والمطربين ممن نالوا شهرتهم من خلاله وتطورت أساليبهم الغنائية تبعا لذلك وصار لهم معجبون خارج إطار البادية أوالقرية أو حتى المدينة.
في الخمسينات من القرن الماضي وصل التلفزيون الى العراق وكان العراق أيضا الدولة العربية الأولى التي يصل اليها البث التلفزيوني. صحيح أن البث التلفزيوني قلص كثيرا من مساحة الراديو وجلسات السمر التي تعقد في الدواوين لكن دخول المطربين عالم تسجيل “البكرات” آنذاك قبل أن تتحول الى سيديات والى أفلام فيديو تبث على السوشيال ميديا مثلما هو حاصل اليوم, فإن الناس بدأت تسمع المغني صاحب العتابة والسويحلي في الراديو وتشاهده في التلفزيون.
بعد إنفجار البث الفضائي وبلوغنا الموجة الثالثة من علوم الإتصال التي بشر بها منذ سبعينات القرن الماضي الفن توفلر تغيرت أنماط الإتصال والتواصل مع بقاء هيمنة شبه كاملة للتلفزيون مقابل تراجع تأثير الراديو. غير أن إختراع الفيس بوك وباقي منظومة السوشيال ميديا غير قواعد لعبة التواصل تماما في كل أنحاء العالم. صحيح أن العالم بسبب وسائل الإعلام الحديث بدء من التلفزيون أصبح قرية لكن السوشيال ميديا التي أثرت كثيرا على الصحافة الورقية بالقياس الى البث الألكتروني أوجدت لنا مابات يسمى “المواطن الصحفي”.
فكل من يملك هاتفا ذكيا بات بإمكانه كتابة وتصوير وبث الخبر وربما كتابة التقرير والتحليل مع الإفتقار الى المعايير المهنية التي تحكم تقاليد العمل الصحفي. وبالعودة الى الليل والعتابة قبل عقود طويلة من الزمن فإن ليالينا الآن نقضيها بنقاش حاد وساخن حول مختلف الشؤون من مرض كورونا بالصين الى قصة رئيس الوزراء التي أصبحت مثل “سالفة الحية” إذا فتحت لاتنتهي وإنتهاء بالتظاهرات والخلاف بين المحكمة الإتحادية ومجلس القضاء الأعلى. فالمهم .. جيب ليل وأخذ واتساب.
شاهد أيضاً
ازمة لبنان تعبر خطوط الإنذار
العاصمة بيروت تتعرض للقصف الجوي من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى َوتهجير …