صوتها: تحقيقات
د. عدنان بهية
الأزمات الاقتصادية والسياسية، والحروب، وما افرزته من مشكلات اجتماعية واعداد من اليتامى والارامل، وآلاف اخرى من العاطلين عن العمل وعن الاحلام بمستقبل افضل .. وسط هذه التحديات وجدت المئات وربما الآلاف من العراقيات انفسهن امام مسؤوليات كبيرة .. مسؤولية الاسرة والتربية الاخذ بيد الابناء الى شاطىء الامل والعمل والنجاح، وعندما يكون العدد الإجمالي للعائلات العراقية حوالي ثمانية ملايين ، فإن حوالي ثمانمائة ألف أسرة ترأسها نساء يكافحن من أجل البقاء ويحلمن ببناء حياة أفضل لأسرهن.
ربات الأسر غير مرئيات على خريطة النشاط الاقتصادي في العراق
في العراق ، هناك عائلة واحدة فقط ترأسها امرأة مقابل كل تسع أسر يرأسها ذكور ، وفي الريف ، هنالك امرأة واحدة ترأس أسرة مقابل امرأتين معيلتان لأسرتيهما في المناطق الحضرية. وبشكل عام فإن 9 من كل 10 أسر تقودها نساء كان بسبب عدم قدرة الزوج على العمل، تأتي بعدها أسباب الترمل ، وهنالك حالات أخرى كالطلاق أو لأنهن غير متزوجات .
تقول أم عباس ( 30 سنة ، عاملة ) ” كسرت ساق زوجي أثناء عمله في بناء المنازل قبل سنتين وهو مقعد الأن ، تطوعت للعمل في مدرسة للبنات بلا راتب حكومي ، أستفيد من معونات و مساعدات كادر المدرسة مقابل خدماتي لأعيل أسرة من 5 أفراد بدخل لايزيد عن (350000 ) دينار عراقي ( ما يعادل 300 دولار امريكي) في أحسن الأحوال. .
إن نصف النساء اللواتي يرأسن أسر لا يوجد لديهن أطفال بسبب تقدم العمر ، حيث عمر النساء المعيلات لأسر غالباَ أكبر من عمر الرجال، أدى ذلك إلى أن يكون عدد أفراد أسرهن في الغالب أقل من عدد أفراد الأسر التي يعيلها ذكور ، هناك امرأتان من بين كل 5 نساء ترأس أسر ضمن الفئة العمرية من60 سنة فما فوق ، بينما يقع اثنان من 5 رجال يرأسون أسر ضمن الفئة العمرية 35 – 44 سنة. وهذا يعني إن الأسر التي يرأسها الرجال أصغر عمراَ و أكثر شباباَ من الأسر التي ترأسها نساء. .
في الريف العراقي عادة ما تكون الأسر أكبر عدداَ من الحضر بسبب ميلها للتكوين العائلي والمجتمعي العشائري وملكيتها للأرض ، فيزداد المعدل عندهم الى 7 أفراد ، بينما ينخفض في المدن الى أقل من 6 ، أما معدل عدد أفراد الأسر التي ترأسها نساء فيكون أكثر من 5 أفراد في الريف و دون الخمسة في المدن بشكل عام.
هناك امرأتان فقط من كل 10 عراقيات من اللواتي يرأسن أسر تنشط اقتصاديا ، في حين يكون العكس هو الصحيح بالنسبة للرجال ، حيث نحو ثمانية من كل 10 ينشطون اقتصاديًا ، وهو توزيع ينطبق تقريبا على المناطق الحضرية والريفية في العراق.
تميل النساء إلى ترك العمل في سبيل تربية الأطفال والعناية بالأسرة ، وفي الوقت نفسه هم يحتاجون إلى الاندماج في المزيد من قطاعات العمل إذا سمحت لهن الظروف بذلك. فعلى سبيل المثال هنالك 3 من كل عشر نساء عاملات مقيدات بفئات وظائف محددة ، و 5 من كل 10 ينخرطن في العمل الزراعي وصيد الأسماك ، بينما هنالك مشاركة منخفضة من النساء في وظائف القطاع الصناعي.
بشكل عام ، تعاني الأسر التي ترأسها إناث من الفقر ، كانت اثنتان من بين كل 15 امرأة حضرية فقيرة ، في المقابل هناك 5 من كل 15 امرأة فقيرة في المناطق الريفية. ان أحد أسباب الفقر في الريف هو العمل غير المأجور ، في الريف كانت هناك امرأة واحدة فقط تستلم أجراَ مقابل عملها مقابل أربع نساء يعملن بدون أجر. أما في المناطق الحضرية فهنالك ثلاث نساء يعملن بأجر مقابل امرأة واحدة تعمل بدون أجر. سجلت المناطق الريفية ، حجم النساء اللائي يعملن بلا أجر ثلاثة أضعاف النساء العاملات بلا أجر في المناطق الحضرية. تقول مريم ( 40 سنة ، عاملة متطوعة ) طلقني زوجي قبل 8 سنوات بسبب الفقر ، ترك لي 3 اطفال ، أسكن الأن في بيت عشوائي مهدد بالإزالة على حافة المدينة ، أعيش على مساعدات الأهالي و تبرعات كادر المدرسة مقابل أعمال التنظيف ، لو كنت متعلمة لكان حالي و حال أطفالي أفضل بكثير.
إن ارتفاع مستوى الأمية لأكثر من نصف الريفيات المعيلات لأسر و تدني المستوى التعليمي للنصف الثاني منهن تسبب في ضعف مزاولة طيف واسع من المهن التي يمكن أن تتوفر في الريف وتسهم في تحسين المستوى المعيشي لعوائلهن . تقول أم آيدن ( 47 سنة ، عاملة ، تركمانية ) ” هاجر زوجي خارج العراق عام 2010 و تركني مع ابنتي دون أي إعالة أو راتب ، أتنقل بين عمل و أخر للحصول على فرصة عيش أفضل بسبب الأمية ، منعت ابنتي من العمل خوفا عليها من التحرش كونها شابة تركمانية وهي غير متعلمة ايضا.”
بلغ متوسط دخل الأسر التي ترأسها نساء (45) ألف دينار عراقي في اليوم ( حوالي 40 دولار امريكي) مقارنة بمتوسط دخل الأسر التي يرأسها ذكور (52) ألف دينار عراقي في اليوم ( حوالي 45 دولار امريكي)..
بسبب ضعف التعليم والتمكين والتمسك بالعادات والتقاليد المقيدة لحرية المرأة زاولت النساء اللواتي يرأسن أسر مهن تمتاز بقلة دخلها الشهري مما سبب انخفاضاَ في المستوى المعيشي لتلك الأسر في الريف والمدينة ، كانت نتيجة ذلك زيادة الضغوط الاجتماعية و أعباء الأعمال المنزلية عليهن. تقول أم آدم ( 42 سنة ، عاملة متطوعة ) ” طلقني زوجي بعد زواجه من إمرأة أخرى قبل 7 سنوات ، طردتني عائلتي وتبرأت مني مع طفلي بعد أن اعتنقت الديانة المسيحية ، أعمل بشكل طوعي في كنيسة و أعيش على الهبات و المساعدات ، عانيت كثيراً من الاضطهاد الديني والمجتمعي و التهديد بالقتل رغم جو التسامح الديني في مدينة بابل.”
يمتلك العراق أدنى نسبة من النساء في القوى العاملة من بين 242 دولة عام 2014 ، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات توظيف النساء في الشرق الأوسط من 19 ٪ عام 2014 إلى 20 ٪ عام 2018 ، لوحظ بأن العراق لديه ارتفاع نسبي في نفس الفترة من (14.2 ٪) إلى (14.5 ٪). و للقياس هنالك امرأة واحدة تعمل في العراق ، تقابلها امرأتان تعملان في دول الشرق الأوسط وأكثر من 5 يعملن في البلدان ذات الدخل المرتفع.
تحديات لا نهاية لها تهدد وضع النساء اللواتي يرأسن أسر
تعاني النساء المعيلات لأسرهن من صدمات وتهديدات مختلفة لحياتهن و لعوائلهن ، كما إن نساء المدن أقل عرضة للصدمات من نساء الأرياف ، حيث تتعرض نساء الحضر لأربعة أنواع بارزة من الصدمات هي : وفاة أحد أفراد الأسرة ، إصابة أحد أفراد الأسرة أو مرضه بشكل خطير ، ارتفاع غير متوقع في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية ، انخفاض في ساعات العمل والذي قد يكون سبباَ في انخفاض مشاركة النساء في قطاع العمل ، كل هذه العوامل أثرت على النساء أكثر من الرجال نتيجة للقوة القاهرة التي تعيشها البلاد. تقول خولة ( 53 سنة ، معلمة ) ” قتل زوجي بحادثة ارهابية عام 2007 ، ترك لي عائلة من 3 اطفال أكبرهم في المدرسة بلا إعالة ، غادرت بغداد الى بابل وعشت على معونات المهجرين 3 سنوات ، حصلت على تعيين حكومي بمبلغ ( 500000 دينار ) ( ما يعادل 400 دولار امريكي)، عانيت كثيرا من الشعور بالعوز كما ان قبول معونات من أشخاص لا أعرفهم اشعرني بقسوة الحياة ومرارتها اكثر.”
أما المجتمع الريفي فهو أكثر عرضة للصدمات ، لا سيما من حيث عدد وطبيعة هذه الصدمات ، بما في ذلك: الجفاف ، فقدان أو هلاكات تصيب الثروة الحيوانية ، إنخفاض نوعية المياه الصالحة للشرب أو قلة توافرها بسبب الطبيعة الريفية للمدن ، كما إن النساء معرضات أيضا لارتفاع غير عادي في أسعار المواد الغذائية والسلع ، و الخوف من الموت المفاجئ لأحد أفراد الأسرة.
عادة ما تكون النسبة المئوية للنساء اللواتي يرأسن أسر ولا يعانين من أمراض أو إعاقة في الريف بحدود 3 من كل 4 نساء ، و تنخفض في المناطق الحضرية إلى 2 من كل 5 نساء. كما تتعرض النساء المعيلات لأسر للأمراض المزمنة أكثر من الرجال ، وتزداد في البيئة الريفية أكثر من المناطق الحضرية ، بسبب نقص الرعاية والوعي الصحي.
يمكن اعتبار رضى الناس عن حياتهم نوعاَ من الرفاهية النفسية وعامل مساعد في تحسين رؤيتهم لما حولهم من أشياء إيجابية في الحياة. لقد أظهرت 9 من 10 نساء رضاهن عن حياتهن وثقتهن في مجتمعاتهن في الريف والحضر ، وكان الافتقار إلى فرص العمل للنساء واضحا في انخفاض مستوى رضاهم عن العمل (امرأة واحدة من 3)، كما أظهرت عدم الرضا عن دخلهم الشهري (امرأتان من كل 5 نساء) في المناطق الحضرية والريفية على السواء.
كانت الرعاية الصحية في المناطق الحضرية أفضل منها في المناطق الريفية بسبب نقص المؤسسات الصحية في الريف ، حيث زارت 7 نساء في الريف المستشفيات الحكومية مقابل 10 في المناطق الحضرية ، وزارت واحدة من كل 5 نساء طبيباَ في عيادته الخاصة ، مقابل واحدة من كل 4 نساء في المدن ، وزارت 3 نساء ريفيات الصيدليات مقابل كل 10 نساء في المدن. تقول سمارة راضي ( 45 سنة ، عاملة متطوعة في ناحية القاسم ) طلقني زوجي قبل 5 سنوات بعد إصابتي بحروق في وجهي وترك لي 5 فتيات ، أجبرت على تزويج اثنين منهن بشكل مبكر لتقليص النفقات ، فتطلقن بعد سنتين لأسباب صحية و نفسية وعدن لي ومعهن أطفالهن ، أصبح مجموعنا 9 أفراد نعيش على تبرعات الكوادر التدريسية في جامعة القاسم مقابل عملي من دون راتب.”
انعكست قلة مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية سلبا على مستواها المعيشي والاجتماعي والصحي، فكان العمل الشائع للمرأة التي ترأس أسرة في الريف هو الزراعة و تربية الحيوانات مع ضياع جهد كبير في العمل غير المأجور غالبا.
كيف نقضي على امية النساء المعيلات وتمكينهن من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
في الجانب التعليمي ، نالت النساء المعيلات لأسرهن بشكل عام تعليمًا منخفضًا ، حيث كانت امرأة واحدة من كل 2 أميّة ، مقابل رجل واحد من كل 7 أميين ، مما يعني هنالك 7 إناث أميات مقابل كل 2 من الذكور . وهنالك 1 من كل 8 نساء يقرأن ويكتبن فقط ، 1 من كل 7 يحصلن على تعليم ابتدائي ، 1 من كل 20 يحصلن على تعليم متوسط ، 1 من كل 25 يحصلن على تعليم ثانوي ، 1 من 25 يحصلن على شهادة الدبلوم ، 1 من كل 75 يحصلن على شهادة البكالوريوس ، 1 من كل 160 حصلت على شهادات عليا .
كانت ثلاثة أرباع النساء اللواتي يرأسن أسر في أربيل والسليمانية ودهوك أميات وهي أعلى نسبة في العراق ، بينما كان ثلثي نساء بغداد أميات وهي أقل نسبة تليها ديالى ثم البصرة.
يستفيد أرباب الأسر من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بمعدل شخص 1 من كل 40 في عموم العراق بسبب حداثة التجربة ، مع فارق كبير بين الذكور والإناث ، حيث يستخدم 4 ذكور الإنترنت مقابل إمرة واحدة . وبالنسبة للنساء ، فكانت أعلى نسبة بمقدار 1 من كل 14 امرأة في بغداد ، مقابل 1 أو 2 من كل مئة في جنوب العراق وكردستان بسبب ضعف التعليم وقلة مواكبة تقنيات الاتصال الحديثة. بالنسبة للذكور كانت دهوك الأعلى فبلغت السدس ، وهي خمسة أضعاف ذكور ميسان.
ما هي ضريبة بقاء النساء اللواتي يرأسن أسر جليسات منازلهن
وفقًا للرسوم البيانية في (منظمة العمل الدولية) – سوف ينمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 2527 دولارًا للشخص أو 11٪ زيادة في مقدار (القوة الشرائية) ، وهذا يعني أنه إذا دخلت نسبة 25٪ من ربات الأسر النساء (قوة العمل) فإن الناتج المحلي الإجمالي سيزداد بحدود (69) مليار دولار ( من مقدار القوة الشرائية).
الناتج المحلي الإجمالي = 2527 دولار × 11 ٪ × 25 ٪ = 69.4925 دولار ~ (69) مليار دولار (معدل القوة الشرائية). وهذا هو مقدار أونسبة مشاركة النساء اللواتي يرأسن أسر و هي نسبة تستحق التضحية.
التوصيات
هل يمكن وصف مجتمعنا بأنه ديمقراطي ؟ ونصفه ضعيف أو مهمش!! ينبغي الاعتراف هنا بأدوار المرأة التنظيمية والإنتاجية والإنجابية وعدم جواز حصرها في نمط واحد للحياة بين أربعة جدران. تشكل النساء اللواتي يرأسن أسر أفضل مثال حول قدرة المرأة على ممارسة جميع الأدوار رغم الصعوبات والتحديات، إن نقل المرأة في الريف والمدينة من دور التابع إلى دور الشريك الفاعل والصانع للحياة، تتطلب تعزيزاً لوعي المرأة وإنسانيتها وحقوقها لكي تنسجم مع عملية التغيير في المجتمع، كما علينا التركيز على تنمية قدرات المرأة ومهاراتها بما يؤهلها للمشاركة الإيجابية بكل نواحي الحياة، توفير فرص العمل بهدف تخفيض نسب البطالة مع توفير بيئة مساعدة للعمل، مثل دورات التمكين والتأهيل والحصول على القروض لتنويع مصادر الدخل، تشجيع التحاق الفتيات بالتعليم وفرض التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية على أقل تقدير.